وقفت يوم الجمعة الماضية في شارع العروبة أتابع وأراقب الموكب غير المسبوق للمرشح للرئاسة حازم صلاح أبو اسماعيل. وتابعت عشرات الآلاف من أنصار أبو اسماعيل الذين انتشروا علي طول الطريق يرفعون ملصقات وصور أبو اسماعيل، وهي ملصقات من النوع الفخم، وتكلفتها تكفي لاطعام مدينة القاهرة كلها..! وكان المشهد مذهلا لكل هذا الكم الهائل من السلفيين أصحاب اللحي الذين تباروا في رفع اشارات النصر للسيارات التي تمر أمامهم وتحية من فيها بالتأكيد علي أنهم جاءوا لتأييد "الرئيس".. والرئيس هو حازم أبو اسماعيل الذي يتحدثون عنه بكل ثقة علي أنه الرئيس القادم لمصر..! وكان أمامي جيش كامل لأبو اسماعيل من الانصار الذين هم علي استعداد كامل للقيام بأي عمل من أجل أن يكون سلفي علي قمة الدولة المصرية الحديثة. وما شاهدته أمامي لم يكن مجموعة من الأنصار العاديين المحتشدين من أجل أحد المرشحين، بل كانوا نوعا من الميليشيات المنظمة والمدربة والمستعدة جيدا لهذا الحدث. وهم حتي الآن ينتهجون المنهج السلمي ويتحدثون بالحسني والاقناع ويتجنبون كل أنواع الاستفزاز من الآخرين، ولكن ماذا بعد؟ وماذا لو خسر أبو اسماعيل؟ وماذا لو شعروا أو اعتقدوا أن هناك نوعا من التزوير أو التلاعب في النتيجة؟! أغلب الظن أن كل هذا الجيش من السلفيين الذين يمثلون الابناء الشرعيين لكل الحركات والجماعات الاسلامية في مصر التي كانت معروفة في العلن أو لا تعمل إلا في الخفاء سوف يتحولون إلي معارضين أشداء ولن يكون خطابه أو تعاملهم تصالحياً أو سلميا بالطبع..! فنحن أمام تنظيم سلفي كامل العدة والعتاد، لا ينقصه العدد ولا التمويل، والسيارات التي جاءت من الصعيد وبحري ومن كل مكان في مصر تؤكد أنه لا ينقصهم المال ولا تنقصهم العقيدة وأن أمامهم هدفا واضحا وأن منصب "الخليفة" أصبح في متناول اليد..! وفي الحقيقية لقد أصبحنا لا نعرف ما الحقيقة.. من هم هؤلاء ومن أين أتوا.. وأين كانوا.. وما الذي يجري في مصر.. وإلي أين تتجه البوصلة، وهل هناك من يملك توصيفا أو رؤية للمستقبل.. ومن سيكون قادرا علي تجميع وتوحيد كل هذه الفصائل والميليشيات السياسية والدينية واخضاعها لسلطة الدولة من جديد..! اننا أكثر ما نخشاه هو أن نكون قد نجحنا في استحضار "العفاريت" ولكننا لا نملك الكيفية ولا القدرة علي صرفها..! والعفاريت تتمثل في كل هذا الزخم الهائل من مخزون الغضب والتمرد الذي انطلق في البلاد منذ الثورة، وحيث ضاع القانون واختفت الدولة، وأصبح هناك مجموعة من "العفاريت" في صراع علي الإرث والغنيمة والاستمتاع بأن تفعل ما يحلو لها..! فحتي الآن أمام استعراض للقوي بمختلف الدرجات وعلي كل المستويات، فالاخوان المسلمين يعتقدون أنهم قد ورثوا مصر ومن عليها وأن في مقدورهم بعد الفوز بالبرلمان أن يكتبوا دستور مصر وأن يفوزوا بالرئاسة، والجماعات السلفية تعتقد أنهم الأكثر قوة وتنظيما وتأثيرا وأن الاخوان ضعفاء لا يمكنهم المواجهة وأنهم لذلك الأحق والأجدر بالمرحلة، والجماعات الليبرالية تكتفي بتحذير الجميع من عواقب سيطرة الإسلاميين وتنشر حولهم الأقاويل والاتهامات، ولكنها لا تملك التنظيم والقدرة علي مواجهتهم أو الحد من نفوذهم، وائتلافات الثوار بدأت في ممارسة السياسة بفن واحتراف، حيث انسحبوا تكتيكيا من الميدان وتركوا الأسود تتصارع وتتقاتل حتي تخور قواها وتضعف وينقضوا عليهم جميعا، فهم علي قناعة بأن المستقبل لهم.. وأنهم أمام جيل من العجائز والضعفاء الذين لن يصمدوا طويلا..! ولكن ماذا عن مصر.. هل ستصمد طويلا.. هل سنتحمل كل هذه المهاترات والصراعات السياسية.. هل اقتصادنا قادر علي المقاومة لسنوات.. وهل نحن مستعدون لثورة ثانية علي ثورة الشعب ضد النخب السياسية وضد المثقفين وضد الأغنياء أيضا. إن هناك حديثا عن أن ثورة يناير لم تكن ثورة كل الشعب، بقدر ما كانت ثورة نخبة من المثقفين من الشباب الذين تحركوا يرفضون التوريث ويرفضون التزوير في الانتخابات البرلمانية السابقة وساعدتهم الأقدار في أن تتحول احتجاجاتهم إلي ثورة وأن يطيحوا بالنظام السابق، أما الثورة الحقيقية فلم تأت بعد، لأنها ثورة الجياع والمهمشين