بينما كان العام الماضي بالنسبة للقارة العجوز بمثابة عام الديون لما شهدته معظم دول القارة من تفاقم في حجم الديون السيادية وعجزها عن سداد التزاماتها سيكون العام الجديد بالنسبة لها هو عام الركود وذلك بعدما فشلت الجهود التي بذلها قادة الاتحاد الأوروبي خلال الأسابيع الماضية لاحتواء أزمة الديون ولم تعد قادرة علي إنقاذ المنطقة التي تضم 17 دولة من شبح الركود. فبعد عام من اضطراب أسواق المال وتراجع ثقة المستثمرين وسلسلة المحاولات الفاشلة من جانب القادة السياسيين للاتحاد الأوروبي للخروج من الأزمة فإن كل المؤشرات الرئيسية والدراسات الاقتصادية تشير إلي أن منطقة اليورو تتجه نحو عام اقتصادي أسود. قال مارتن فان فلايت المحلل الاقتصادي في آي.إن.جي بنك في مجلة الايكونومست: إن اقتصاد منطقة اليورو ينزلق بالتأكيد إلي مستنقع الركود وإن كان ذلك يتم ببطء. وكانت سلسلة من البيانات الرسمية التي صدرت مؤخراً قد أشارت إلي تباطؤ الاقتصاد في منطقة اليورو حيث تراجعت الصادرات وكذلك انكمش الناتج الصناعي وتراجعت الطلبيات الدفترية لدي المصانع ومبيعات التجزئة خلال الشهور الأخيرة الماضية. في الوقت نفسه فإن معدلات البطالة بلغت أعلي مستوياتها منذ إطلاق العملة الأوروبية الموحدة قبل 13 عاماً. وقال كريس وليماسون كبير المحللين الاقتصاديين في ماركيت إن منطقة اليورو عانت خلال الربع الأخير من العام الماضي من أسوأ نتائج فصلية منذ عامين ونصف العام حيث أشارت بيانات المؤسسة إلي أن الاقتصادات في المنطقة ستنكمش بنسبة 0.6% من إجمالي الناتج المحلي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي. وبعد أن صارت اقتصاديات منطقة اليورو تقف علي أقدام ثابتة خلال عام 2010 مدعومة بالأداء الجيد للاقتصاد الألماني أكبر اقتصاد في أوروبا فإن المنطقة فقدت قوة الدفع الاقتصادية خلال العام الماضي في الوقت الذي يحاول فيه قادتها السياسيون احتواء أزمة الديون السيادية. في الوقت نفسه فإن محاولات البحث عن حلول لأزمة الديون القائمة منذ نحو عامين أثارت خلافات داخل المؤسسات السياسية للدول الأعضاء. وكانت ألمانيا بشكل خاص لاعباً أساسياً في هذه الخلافات السياسية بين شركاء اليورو حيث دعت البنك المركزي الأوروبي إلي لعب دور أكبر في مواجهة الأزمة ودعت دول المنطقة إلي تبني قواعد أشد صرامة للسيطرة علي عجز الميزانية لديها. وفي إشارة إلي عمق المخاوف بشأن اقتصاديات منطقة اليورو انضم البنك المركزي الأوروبي إلي الجهود الرامية إلي تطويق الأزمة من خلال خفض سعر الفائدة مرتين وضخ مليارات اليورو في أسواق المال من خلال برنامج لشراء سندات الخزانة التي تصدرها دول منطقة اليورو المتعثرة ماليا مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال. في الوقت نفسه فجرت محاولات الحكومات الأوروبية احتواء الأزمة المالية سلسلة من المظاهرات المناهضة للسياسات الحكومية في المدن الأوروبية الرئيسية وقد تحولت في حالات عديدة إلي أعمال عنف ووصلت إلي حد الإطاحة بحكومات الدول الموجودة في قلب الأزمة وهي إيطاليا والبرتغال واليونان وإسبانيا. وقد اتفق قادة الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من الشهر الماضي علي ما يسمي الميثاق المالي بهدف تشديد ضبط موازنات الدول الأعضاء وفي محاولة إضافية لإبقاء اقتصاديات رئيسية في منطقة اليورو في طريق الانضباط المالي أقيلت حكومتان منتخبتان في اليونان وإيطاليا لتحل محلهما حكومتان مؤلفتان من التكنوقراط وملتزمتان بخفض عجز الموازنة ومعدل الدين العام. في المقابل فإن الانقسام الحاد داخل الاتحاد الأوروبي حول سبل التعامل مع الأزمة ظهر من خلال الجهود الفرنسية الألمانية لتشديد قواعد ضبط الموازنة في حين رفضت بريطانيا المشاركة في هذه الجهود. وقد تعرضت اقتصادات منطقة اليورو لمشكلة إضافية خلال الأشهر الماضية مع تزايد تهديدات مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية بخفض تصنيف كل دول المنطقة علي خلفية أزمة الديون السيادية وهو ما يلقي بظلال كثيفة علي اقتصاديات المنطقة خلال العام الجديد. مصطفي عبد العزيز