هناك سمتين اساسيتين يتسم بهما التعافي الاقتصادي الأمريكي عند كل مرة يصاب فيها بالركود. السمة الأولي هي أن قطاع المساكن هو الذي يلعب دور القاطرة التي تجر الاقتصاد وتخرجه من الركود. السمة الثانية هي أنه في هذه المرة يلعب قطاع المساكن دورا عكسيا حيث يدفع الاقتصاد الأمريكي حاليا إلي ركود أعمق ويغرسه في الوحل. ففي العامين التاليين للركود الذي حدث مع بداية ثمانينيات القرن الماضي ارتفع الاستثمار في قطاع المساكن الأمريكي بنسبة 56% أما في الركود الحالي فإنه انكمش بنسبة 6.3% رغم اتجاه الاقتصاد في مجمله إلي التعافي البطيء. ففي أمريكا يوجد حاليا فائض في المساكن التي لا تجد مشترين وهذا يضعف الاقتصاد ولا يقويه ونتيجة لذلك صار الاقتصاد الأمريكي مهيأ لسنوات عديدة من النمو البطيء وانخفاض مستوي التشغيل أي الزيادة في معدل البطالة. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن اللاند سكيب الاقتصادي الأمريكي مفروش حتي الآن بحطام ازمة عام 2008 وأن أسعار المساكن هزلت حتي صارت أقل بنسبة 30% عن الذروة التي كانت قد وصلت إليها خلال سنوات الفقاعة. وهذا التدني في الأسعار جعل نحو 25% من المدينين لمؤسسات الرهن العقاري يتحملون ديونا تزيد علي قيمة مساكنهم المرتهنة. ولذلك صار هناك 10 ملايين أمريكي من ملاك العقارات المرتهنة إما متأخرين عن السداد أو جري بالفعل حبس عقاراتهم المرتهنة. والأسواء من ذلك أن أسواق المساكن الأكثر تضررا قد امتلأت بالمساكن الخربة أو غير المسكونة التي لا تتمتع حتي بالصيانة الدورية اللازمة. وتبدو أسواق المساكنالأمريكية الآن وهي أبعد ما تكون عن التعافي ولكن هذا التحليل المتشائم أو الرؤية المتشائمة تنطوي علي مبالغة. ويبدو أن تحولا في المبيعات والأسعار إلي الاتجاه المعاكس علي وشك أن يحدث وفي وقت أقرب مما يظنه الكثيرون. ويمكن القول إن احتمالات حدوث تعاف قوي لقطاع الاسكان تكمن في الأعماق التي وصل إليها الركود. ونحن نعرف من دروس الماضي أن ازدهار قطاع الاسكان في امريكا كان يقاس بتأثيره علي الأسعار وتدفق المزيد من الراغبين في الشراء علي السوق وهو ما أدي إلي جعل نسبة المساكن الممتلكة إلي أكثر من 69% مقابل نحو 30% من المساكن المؤجرة وهذا يعد معدلا قياسيا لعدد المساكن الممتلكة. وقد كان البناء أيضا يزدهر ولكن بدرجة أقل. كما أن عدد المساكن تحت التشطيب كانت تستقر عادة فوق المتوسط خلال سنوات الأزدهار وبصفة خاصة في حقبة التسعينيات من القرن الماضي حيث كانت هناك كوابح للزيادة في عرض المساكن. وعلي العكس من ذلك فإن الركود كان يشد حركة بناء الوحدات السكنية الجديدة إلي أعماق غير مسبوقة. وعموما فإنه طبقا لمعدلات البناء السائدة حاليا نستطيع القول إن ما يضاف في هذا العام 2011 من مساكن جديدة إلي سوق المساكن سيكون أقل من أي عام منذ عام 1968 حتي الآن أي منذ بدأ تسجيل أرقام قياسية سنوية في حركة بناء المساكنالجديدة لتلبية طلب الأمريكيين المتزايد علي تملك المساكن بدلا من السكن بالايجار. وعلي ضوء ما سبق نقول إن مشكلات مخزون المساكن التي لا تجد مشترين في أمريكا هي مشكلة أقل مما نتصور. وفي الظروف العادية كان يمكن لهذه الزيادة في العرض أن تستوعب حتي لو كان هناك ركود المستوي السائد حاليا ولكن مربط الفرس هو إن إقبال الأمريكيين علي تملك المساكن صار الآن أقل مما كان خلال السنوات الطويلة السابقة. ولا يرجع سبب انخفاض اعداد الأمريكيين الراغبين في تملك المساكن إلي حدوث مزيد من الانخفاض في معدلات النمو السكاني وانما هو يرجع لأسباب أخري مثل ميل الشباب إلي العيش فترة اطول في مساكن والديهم. ويقول أحد التحليلات إن هناك الآن 1.5 مليون شاب فيما بين سن 18 34 سنة يعيشون لدي والديهم لفترة أطول من المتوقع علي ضوء الاتجاهات طويلة الأمد لسن استقلال الشباب عن الوالدين. ومن المرجح أن تكون الرغبة في الاقتصاد بسبب ظروف الأزمة الراهنة هي الدافع الرئيسي إلي هذا التغيير في سلوكيات الشباب وأن تحسين ظروف هؤلاء الشباب سيشجعهم علي امتلاك مساكن مستقلة وبالتالي ينشط الطلب علي المساكنالجديدة. وتقول مجلة "الايكونوميست" أيضا إن اجمالي المعروض من المساكن لا يتجاوز الحدود كثيرا ولكن تقسيم المساكن بين التمليك والايجار هو الذي لايزال يتعرض للنشوة ففي سبتمر من العام الحالي هبط مخزون المساكنالجديدة المعروضة للتمليك إلي أدني مستوي له منذ عقود طويلة. ولكن المخزون من المساكن القائمة "جديدة + قديمة"