يدور جدل واسع هذه الأيام حول سبل تطوير صناعة النسيج وأسباب أزمتها.. ومسئولية الحكومة عن تدهور هذه الصناعة ونؤكد أن القضية ليست قضية خصخصة فما نال شركات القطاع العام نال شركات القطاع الخاص بنفس القدر انحدار صناعة الغزل والنسيج تم دون الانقضاض بالخصخصة علي شركات الغزل من الدرجة الأولي إنما بالانقضاض علي زراعة القطن.. ضرب صناعة النسيج بالتبعية. فكيف كان حال القطن في القرن الماضي؟ منذ أربعينيات القرن الماضي كانت زراعة القطن وتجارة القطن تحت سيطرة الحكومة. فوزارة الزراعة كانت تطور وتزرع بذور القطن وكانت تورد البذور إلي الفلاح وكانت زراعة القطن محكومة بخطة حكومية لزراعة الأصناف في المديريات الزراعية بحيث لا يتم خلط الأصناف وأن يزرع القطن طويل التيلة بما يضمن نقاء المحصول في كل مديرية كان ذلك أيضا محكوما بالدورة الزراعية التي كانت إلغاؤها في عهد يوسف والي جريمة. ليس ذلك فحسب بل إن تجارة القطن كانت تحت سيطرة الحكومة تماماً.. فمنذ الحرب العالمية الثانية تكونت لجنة القطن المصرية الإنجليزية كي تضمن بريطانيا توريد القطن لتوفير احتياجات الجيش البريطاني للملابس العسكرية فبعد الحرب العالمية الثانية حل محلها لجنة القطن المصرية بإدارة مصرية وكان دور لجنة القطن استلام كل إنتاج القطن المصري بأسعار مجزية للفلاح بما يضمن له حافزا للإنتاج وكانت لجنة القطن تتوخي أن تستلم القطن كل صنف نقي وتشترط ألا يتم خلط الأصناف وتحدد رتبة كل صنف وتحدد سعر الصنف وسعر الرتبة.. بعد استلام القطن كله كانت لجنة القطن تورد القطن لصناعة الغزل بسعر محدد وتضمن لشركات الغزل احتياجاتها من القطن. هذا لم يكن يمنع تجار القطن من شراء القطن من الفلاح ولكن عليهم توريده للجنة القطن ولم يكن يمنع المصدرين من تصدير القطن بسعر التصدير وهو السعر العالمي للقطن أي السعر العالمي الذي يحققه القطن المصري وهو أعلي من القطن المباع عالميا المورد من البلاد الأخري، وكان عليهم إعادة شرائه من لجنة القطن بسعر التصدير. سيطرة الحكومة علي تجارة القطن كانت تضمن لشركات الغزل والنسيج احتياجاتها من القطن المصري طويل التيلة.. وكانت تلك الشركات تنتج الغزول الرفيعة من نمرة 60 إلي نمرة 120 أي أن وزن 60 مترا غزل يكون جراما واحدا وأن وزن 120 مترا غزل يكون جراما واحدا بجانب الغزل الممشط والمزوي إلي آخره.. وكان النسيج المصري من تلك الغزول له شهرة عالمية. لم تكن الحكومة مسيطرة علي تجارة القطن فحسب بل كانت مسيطرة علي حلج القطن وكانت المحالج يتم إلزامها بعدم خلط القطن سواء كانت شركات خاصة أو كانت مملوكة للحكومة كما حدث بعد تأميم شركات الحليج. ماذا تم بعد ذلك؟ تم إنهاء دور لجنة القطن وتحرير تجارة القطن في الوقت الذي بدأ تصدير القطن طويل التيلة مدعوما سعره إلي أمريكا!! ورغم أن القطن الأمريكي طويل التيلة مواصفاته أقل من القطن المصري، وهكذا فإن تحرير تجارة القطن جعل الفلاح زارع القطن يقع تحت سيطرة التجار في الوقت الذي زادت صعوبات التصدير. هكذا فقدت شركات الغزل المورد المضمون للقطن طويل التيلة.. ومع إلغاء الدورة الزراعية لم يعد نقاء القطن مضمونا بل لم تعد زراعة القطن مجزية.. وتحت شعارات حرية الفلاح وعدم ضمان سعر القطن تراجعت زراعة القطن إلي أن وصلت إلي خمس المساحة التي كانت تزرع فيما سبق وأصبحت شركات الغزل تستورد القطن قصير التيلة بدلا من القطن المصري طويل التيلة. وفي نفس الوقت فإن شركات الغزل أصابها ما أصاب شركات القطاع العام كلها من توقف الصيانة وتجديد الآلات.. ولم تعد شركات الغزل والنسيج تنتج الأقمشة الرفيعة وأصبح إنتاجها يعتمد علي القطن قصير التيلة ومتوسط التيلة وأصبحت الآلات تتعامل مع نفس نوع القطن المستورد وفقدت صناعة الغزل القدرة علي إنتاج الغزول الرفيعة أو النسيج الفاخر الذي كانت له شهرة عالمية. إن إصلاح صناعة الغزل والنسيج المصرية يلزم له أولا إصلاح زراعة القطن بإعادة سيطرة الدولة علي تلك الزراعة بما يضمن للفلاح سعرا مجزيا للمحصول بمعني آخر إرجاع لجنة القطن المصرية بنفس الصلاحيات السابقة وهي استلام كل المحصول للجنة وتحديد السعر الذي يناله الفلاح وتحديد سعر التوريد لشركات الغزل وسعر التصدير.