إن نجاح الثورة المصرية يسهم في وضع عملية الاصلاح الاقتصادي علي الطريق الحقيقي والصحيح فقد بذلت جهود علي مدي العقدين الماضيين لضمان استقرار الاقتصاد الكلي في أكثر من ناحية، لكن معدلات النمو المعقولة التي تحققت لم تأت بالفائدة الكاملة علي الجميع ولم يرتفع بالتالي وبشكل كاف عدد الأشخاص المعنيين باستقرار النظام بكونهم شركاء في استدامته وفي الحفاظ علي مزاياه. يجب ان نجمع جميعا علي أهمية تعميم الاصلاح بمفاهيمه الشاملة كنتيجة طبيعية لتحركات ثورة 25 يناير الواسعة التي تتفاعل في العديد من النواحي.. بما يشمل تداول السلطات والتوزيع العادل للدخل القومي الذي يحقق النمو والتنمية معا ومحاربة الفساد عبر نهوض المؤسسات وتفعيل القضاء وانتاج فرص عمل حقيقية تستقطب معدلات البطالة المرتفعة خاصة في أوساط الشباب. ان العقد الاجتماعي الاقتصادي الجديد المطلوب ابرامه لا يشمل تحقيق النمو ومكافحة التضخم والتقدم علي مسارات تحقيق الأهداف المالية والنقدية والتنموية فحسب انما ينبغي التأكد من انه يجري التقدم اللازم علي صعيد الاستثمارات الجديدة في القطاع الموفرة لفرص العمل الجديدة وكذلك في ايجاد المساكن الملائمة للشباب بما يسهم في ايجاد مستوي افضل من الطمأنينة بشأن مستقبلهم من جهة أخري التأكيد علي العمل علي تمكين الشباب من خلال مستويات افضل من التعليم والتدريب التقني تتلاءم مخرجاته مع حركة الاقتصاد ومجالات نموه وتطوره المستقبلي. كذلك العمل ايضا علي انشاء المؤسسات القادرة علي دفع الاصلاحات السياسية والديمقراطية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية قدما وذلك مع تفعيل قدرة هذه المؤسسات علي ممارسة الرقابة وتحقيق التوازن بينها. إن مشروعات "الخصخصة" لم تمثل تحريرا اقتصاديا حقيقيا وكافيا إذ انها وفي حالات كثيرة أدت الي بيع أصول الدولة لرجال أعمال معينين دون غيرهم وذلك من دون تحرير القطاعات المبيعة بالمعني الاقتصادي الحقيقي للكلمة أي التحرير الذي يؤدي في المحصلة الي توفير خدمات ممكنة افضل وبكلفة ممكنة اقل ودون أن تمارس الدولة بالتالي دورها الناظم لتلك القطاعات الاقتصادية بما يحمي مصالح جميع الشركاء المعنيين بها. إن المشهد السياسي الذي يتكون تباعا مع كل حدث هو مشهد مختلف بكل معني الكلمة والنظر في عمق هذه التحولات يفضي الي استنتاج منطقي بأن الشأن الاقتصادي يقع في صلبها وسيكون حتما في صدارة نتائجها بعد بلوغ مرحلة الاستقرار. إن التحركات الحاصلة تجتمع علي عنوان واحد هو الاصلاح وترفع شعارتعميمه في كل المجالات وفي مقدمتها اصلاحات سياسية تؤمن توسيع قاعدة المشاركة والفصل بين السلطات وتداولاتها، واصلاحات اقتصادية تستهدف التركيز علي تسريع التحول الي الاقتصادات الانتاجية وتنويع مصادر الدخل وتوزيع أكثر عدلا للثروة ورفع انتاجية القطاع العام وتحسين سياسات التشغيل ومكافحة البطالة واصلاحات اجتماعية تخفف من عمق الهوة بين الطبقات الاكثر غن والاكثر فقرا، وتعيد الاعتبار للطبقة الوسطي كحلقة اتصال وتواصل وضخ استثمارات مجدية في اصلاح التعليم والتدريب والتكنولوجيا والرعاية الاجتماعية والصحية واصلاحات قضائية تسهم في مكافحة الفساد وتصويب مكامن الخلل عبر احقاق الحق وتعميم سيادة العدالة. ويجب هنا التركيز علي ان هناك قصورا في ادراك أهمية التعرف الي مواطن الفساد في الادارة والاقتصاد ودورها في توليد وزيادة مشاعر الاحباط لدي المواطنين ولاسيما لدي الشباب منهم وهذه كلها أمور تزيد من الأسباب الداعية الي الفشل في تحقيق التوقعات وبالتالي الي زيادة حدة اليأس والشعور بانسداد الأفق. علي الرغم من التحديات الكبيرة امامنا فالجميع يتطلع الي المرحلة المقبلة بتفاؤل وأمل كبيرين لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة وتحفيز التنافسية العالمية للاقتصاد من خلال تحديث الاقتصاد وتطوير المناهج التعليمية بحيث يتمكن الشباب من المنافسة محليا وعالميا اضافة الي ايجاد فرص عمل جديدة والحد من البطالة والفقر ولعل الافادة المثلي من المرحلة الراهنة تتطلب التوازن بين تطوير البيئة السياسية من جهة وبين تطوير آليات ومحركات النمو الاقتصادي المستدام والرفاه الاجتماعي للشعب من جهة أخري فنجاح الاصلاحات السياسية مرتبط الي حد بعيد بنجاح الاصلاحات الاقتصادية والعكس صحيح أيضا. إن الاصلاح هو الركيزة الاهم لبناء الثقة كممر الزامي مثالي لبلوغ الاستقرار الحقيقي وتعميم فوائده وهذا ما نطمح اليه جميعا دولة وشعبا وأنظمة والاصلاح بمفهومه الشامل علي الصعيد الوطني هو المسار الأمثل لإعادة صياغة خريطة طريق طموحة الرؤي والأهداف لمنظومة العمل علي نحو يضمن التنمية المستدامة. * العضو المنتدب لشركة بايونيرز للصناديق