آخر تحديث لسعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 24 أبريل 2024    أسعار اللحوم اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024 في أسواق الأقصر    24 أبريل 2024.. ارتفاع الدولار واليورو مقابل الروبل في بورصة موسكو اليوم    اليوم.. «خطة النواب» تناقش موازنة مصلحة الجمارك المصرية للعام المالي 2024/ 2025    جنوب سيناء.. إنشاء 50 بحيرة جبلية ومزارع للمحاصيل العطرية والطبية بوادي فيران في أبورديس    8 مليارات دولار قيمة سلع مفرج عنها في 3 أسابيع من أبريل 2024.. رئيس الوزراء يؤكد العمل لاحتياط استراتيجي سلعي يسمح بتدخل الدولة في أي وقت    تأثير حملة مقاطعة السمك في مصر.. استجابة لارتفاع الأسعار وتحقيق جزئي للأهداف    الرئيس الإيراني يصل سريلانكا    متحدث "البنتاجون": سنباشر قريبا بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة    جوزيب بوريل يدعو إلى خفض التوترات وتهدئة التصعيد بين إيران وإسرائيل    مفوض حقوق الإنسان أكد وحدة قادة العالم لحماية المحاصرين في رفح.. «الاستعلامات»: تحذيرات مصر المتكررة وصلت إسرائيل من كافة القنوات    احتفالات مصر بذكرى تحرير سيناء.. تكريم الشهداء وافتتاح المشروعات التنموية والثقافية    التشكيل المتوقع لباريس سان جيرمان ضد لوريان في الدوري الفرنسي    جدول ترتيب الدوري المصري قبل مباريات يوم الاربعاء 2024/4/24    اليوم.. طقس شديد الحرارة على جميع الأنحاء والعظمي بالقاهرة 41 درجة    شروط تقديم الأعذار المرضية قبل بدء امتحانات نهاية العام 2024.. التفاصيل والضوابط    تفاصيل الحالة المرورية في القاهرة والمحافظات.. كثافات أعلى كوبري أكتوبر    ما حقيقة المقابر الجماعية في مجمع ناصر الطبي؟    الشيوخ الأمريكي يوافق على 95 مليار دولار مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا    ميدو يعلق على تأهل العين الإماراتي لنهائي دوري أبطال آسيا    الكونجرس يقر نهائيا قانونا يستهدف تغيير ملكية تطبيق التواصل الاجتماعي تيك توك    الكرم العربي أعاق وصولها للعالمية، "بيتزا المنسف" تثير الجدل في الأردن (فيديو)    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    عتريس السينما المصرية.. محمود مرسي تزوج مرة واحدة وتوفى أثناء التصوير    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    الصين تعارض إدراج تايوان في مشروع قانون مساعدات أقره الكونجرس الأمريكي    يقترب من بيراميدز.. تفاصيل رحيل محمد صبحي عن الزمالك    الكونجرس يقر مشروع قانون يحظر «تيك توك» بالولايات المتحدة    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    نتائج مباريات ربع نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    أيمن يونس: «زيزو» هو الزمالك.. وأنا من أقنعت شيكابالا بالتجديد    خطر تحت أقدامنا    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    إعلام عبري: مخاوف من إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لمسؤولين بينهم نتنياهو    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    عاجل - درجات الحرارة ستصل ل 40..متنزلش من البيت    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    «رب ضارة نافعة»..أحمد عبد العزيز يلتقي بشاب انفعل عليه في عزاء شيرين سيف النصر    تنخفض 360 جنيهًا بالصاغة.. أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر الأمل.. ثلاثية الرؤية
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 08 - 06 - 2011

جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير، لترفع الستار عن وجود قوة مؤثرة من الشباب المصري، له من المبادئ والآمال والقدرة علي الفعل والتغيير بصورة لم يكن يتوقعها الغالبية في مصر أو في العالم الغربي.
قبيل مغادرتي القاهرة بعد أيام من تنحي السيد حسني مبارك عن حكم مصر، في الحادي عشر من فبراير، التقيت إسراء، فتاة مصرية من قيادات الثورة، وسألتها عن الهدف الذي كان لدي الشباب عندما أطلقوا ثورتهم في ميدان التحرير، ومختلف أرجاء ومحافظات مصر، فأجابتني أن الهدف كان 'تغيير النظام'.
ولقد تمكن الشعب المصري من خلال الثورة وفي 18 يوما، أن يُسقط رأس النظام، وينهي 30 عاما من حكم فردي وشمولي.
وبنظرة موضوعية، يجد المرء نفسه أمام عملية تحول ديمقراطي تشمل إنهاء آثار الحكم السابق وإظهار معالمه، خاصة الفساد الذي كان متفشيًا في أرجاء وأعماق الوطن، والتحرك نحو حقبة جديدة من تاريخ مصر.
وبالفعل، فإن التحولات التي شهدتها مصر خلال الشهور الثلاثة الماضية، تعد تحولات كبري، خاصة إذا ما قارناها بالشهور الثلاثة أي نفس المدة التي سبقت بدء ثورة الخامس والعشرين من يناير.
الثورة النموذجية
ومن أهم ما يميز الثورة المصرية عن غيرها من الثورات العربية التي يتعرض أبناؤها لإراقة دمائهم من أقبلة الأنظمة في ليبيا واليمن وغيرهما، أن هذه الثورة مثلت وحدة رائعة بين أبناء الشعب المصري وبين الشعب وقواته المسلحة.
في الوقت نفسه، فإننا عندما نتابع تفاصيل الفساد الذي عاش به النظام السابق، والذي كشف عنه مع سقوط رأسه، لابد لنا وأن نشعر بأن مصر كانت محروسة بالفعل، كونها لم تتعرض لعملية إفلاس كاملة بالرغم من كل هذا الفساد.
والرائع واللافت للنظر فعلا هي قدرة الشعب المصري علي التخلص من قيود خوف كبلته لعقود، فكسرها، وتجاوز سنوات من القهر والظلام تعرض لها.
ولهذا كله، فإن الثورة المصرية تمثل نموذجًا فريدًا لتحقيق التغيير في منطقة الشرق الأوسط. ومن ينظر في الشأن المصري، سيدرك علي الفور أنه، وبالرغم من اختلاف عقائد أبناء هذا الشعب، وهو الاختلاف الذي يمكن أن ينجم عنه في بعض الأحيان بعض التوترات أو المشاحنات، فإن الشعب المصري يبقي في نهاية الأمر شعبا موحدا، غير قابل للانقسام علي أي أساس قبلي أو الوقوع في فتن طائفية بالمعني الكامل للكلمة.
فالشعب المصري يجمعه تاريخ مشترك وميراث ثقافي عريق يبقيه دوما موحدا في إطار الحضارة المصرية 'أم الدنيا'.
وفي هذا يختلف النموذج المصري عن البلدان الأخري التي بها من التمايز القبلي والثقافي ما يمكن أن يفتح الباب أمام سيناريوهات للفوضي، بل ربما الحروب الأهلية، وهو ما يعني أن منطقة الشرق الأوسط بأسرها يمكن أن تقع في براثن النزاعات والتعصب، وهو أيضا ما سيدفع بالمنطقة نحو الخلف بدلا من الأمام.
ولذلك، فمن الضروري أن تنجح الثورة المصرية في تتويج أهدافها لتكون نموذجا قابلا للاستلهام في حالات أخري. والثورة المصرية في رأيي حالة مركزية ومهمة لأن مصر التي يبلغ الآن تعداد سكانها ال 85 مليون نسمة هي أكبر الدول في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها مركز ثقل العالم العربي لدورها المحوري في السياسة والثقافة والمعرفة، وأيضا للمكانة التاريخية للأزهر الشريف.
إن القوة الفكرية الهائلة والكامنة في الشعب المصري ما زالت قادرة علي إعادة مصر لهذا الدور الريادي حتي بعد التراجع الملموس في العقود السابقة.
وعلي المستوي العالمي فإن نجاح التجربة المصرية هو أمر أساسي لضمان الاستقرار الذي من شأنه الحفاظ علي أمن الإقليم وإرساء الديمقراطية وأيضا تدفقات النفط والغاز من منطقة الشرق الأوسط لضمان إمدادات الطاقة في العالم أجمع. والغرب يجب أن يقدم الدعم لهذه الثورات الشعبية في العالم العربي، والتي تهدف بالأساس لتحقيق الديمقراطية، ذلك الهدف الذي لم يتمكن من تحقيقه بالحرب علي العراق في 2003 رغم تكلفة بلغت تريليونات الدولارات.
الديمقراطية والفوضي
ومع كل ما حققته الثورة المصرية من إنجازات، ومع كل ما تميزت به، بل وكل ما كشفت عنه من تحضر للشعب المصري فإن هناك أمورًا توالت بعد انتهاء الثورة لا تتفق حسبما أراها مع قواعد الديمقراطية المتعارف عليها ولا مع قواعد الوطنية المصرية للثورات السابقة.
ومن ذلك التباين الكبير بين التألق الرائع للوحدة الوطنية التي عاشتها مصر أياما متتالية في ثورتها التي تجسدت في ميدان التحرير، حيث تداعت أي حواجز زائفة بين مسلمي الوطن وأقباطه، وأن نعود بعد أسابيع قليلة من انتهاء الثورة لنطالع أنباء مؤسفة ومؤلمة عن تشاحنات بين مسلمين وأقباط أو مسلمين بعضهم وبعض.
ولا يمكن بمنطق الثورة السلمية والشريفة أن يفسر المرء ما حدث من قطع الطرق ووقف القطارات ويصل الحد لإحراق بيوت العبادة ورفع أعلام لدول أجنبية علي أرض الكنانة.
من المفهوم أنه بعد أي ثورة توجد فئات ومجموعات لديها أهداف ومصالح تسعي لتحقيقها من خلال عمليات شحن عشوائي لمشاعر البعض، ولكن هؤلاء سيكونون في النهاية، وعندما تقام الدولة الديمقراطية بكامل أركانها، الخاسرين، لأن الغلبة ستكون للشعب المصري القادر دوما علي أن يظهر معدنه الحقيقي في ظل كل الصعوبات، ولأن الغالبية العظمي من الشعب المصري لا تريد الانجراف وراء التشاحن والفوضي، وإنما تسعي لبناء دولة ديمقراطية حديثة.
بناء المستقبل
والسؤال إذن هو، ماذا ينبغي أن نفعل في هذه المرحلة؟ ومن منطلق خبرتي في الدعوة والحث علي تحقيق التغيير عبر عقدين من الزمن، ولأنني كنت طرفا مفاوضا أثناء الثورة المصرية، سواء من خلال التخاطب مع شباب الثورة أو مع الحكومة المصرية في حينه، فإنني أعلم يقينا أن أهم ما يسعي إليه الشباب في مصر هو مستقبل جديد، مستقبل يقدم لهم حياة تختلف عن تلك التي عاشوها في ظل النظام القديم ومستقبل لتحقيق الإنتاج والتقدم، الذي يليق بمكانة مصر علي المستويين العربي والعالمي.
مستقبل مصر الواعد يتطلب بالضرورة استقرار الوحدة الوطنية ليسعي الشعب متكاتفا لتحقيق أهداف ثلاثة أراها حتمية لبناء الدولة الديمقراطية، اقتصاديا وسياسيا. وعليه فإن ثلاثية الرؤية تتمثل في:
'البعد السياسي' والذي أساسه يكون بناء الهيكل الحقيقي لنظام الحكم الديمقراطي الرشيد بما في ذلك عدالة تطبيق القانون، ضبط أمن البلاد والانتقال إلي الشرعية الدستورية لحكم مستقر مبني علي مبادئ الثورة.
'البعد الاقتصادي' والذي يتطلب في المدي القريب التحرك السريع نحو عودة الإنتاج إلي ما كان عليه مع إصلاحات في المؤسسات الاقتصادية، وفي نفس الوقت فلابد من وضع رؤية شاملة لرفع الإنتاج المصري والدخل القومي، وإصلاح الوضع المؤسوي لمحدودي الدخل.
'البعد القومي للنهضة' ولهذا البعد رؤية خاصة حيث فيه يلتحم الشعب مع الحكومة في تبني 'مشاريع أحلام الوطن' والتي عن طريقهم يتم بناء جيل المستقبل ودفع مصر إلي مكانة العالم الأول، وتحديث العالم العربي ككل.
وهناك بعد رابع، بالمقارنة مع علوم الكون الطبيعية، هذا البعد يحدد ديناميكية العلاقة بين الجيش والحكومة من طرف والشعب من طرف آخر، وعليه فإن هذه الديناميكية لابد وأن تحدد بوضوح مسار التغيير الجديد والمدد الزمنية لاستكمال المسيرة، وذلك عن طريق حوار دائم وبناء.
وأعتقد جازما أن السعي نحو أي من هذه الأهداف الثلاثة، يتطلب أولا وقبل كل شيء، تحقيق الاستقرار الأمني في أسرع وقت، والذي ينبغي أن ينعم به أبناء الشعب المصري، علي أن يكون ذلك في إطار مؤسسي لشرطة ما بعد الثورة، يباعد بين ما عرفه النظام السابق من آليات لتحقيق الأمن، ويعمل علي احترام حقوق المواطن في الوقت ذاته، فإن الإصلاحات السياسية الحقيقية وليست تلك التي تكون مستمدة بشكل أو آخر من النظام السابق ينبغي أن تكون سريعة، وأن تكون هادفة لتكوين المؤسسات الجديدة للدولة في جميع القطاعات، وهو ما يتطلب بالضرورة أن يكون هناك تطبيق قاطع للقانون علي كل المواطنين دون أدني استثناء.
المأزق الاقتصادي.. والإنتاج
أما الإصلاحات الاقتصادية، والتي أراها هي حجر الزاوية للبناء والتقدم، فتلك هي التحدي الأصعب الذي يواجه مصر حاليا، كما سيواجهها في المستقبل القريب، وذلك لأسباب عدة، أهمها أن السعي المصري نحو بناء اقتصاد قوي يأتي بعد عقود من حكم السيد مبارك ودائرته المقربة، حيث تم استنزاف الكثير من الموارد المصرية.
إلي جانب ذلك، فإن الثقة في مناخ الاستثمار في مصر ليست عالية أبدا، وحركة السياحة ليست في أحسن أحوالها، كما أن دعم المصريين في الخارج، الذين لهم الكثير من القدرة علي تقديم الدعم المادي والمهني لمصر ما بعد الثورة، قد يتأثر بدرجة كبيرة، ربما بسبب عدم الارتياح إزاء بعض ما جاء في التعديلات الدستورية، بالإضافة إلي أن أصحاب الأعمال المصريين، سواء كانوا من أصحاب الأعمال الصغيرة أو الكبيرة، يعانون تحديات لا يستهان بها.
لكن مع كل تلك الصعوبات، فإن بناء اقتصاد مصري قوي ليس بالأمر المستحيل. إن استعادة التركيز علي القضايا الجوهرية، والابتعاد عن الانخراط في الأمور التي ليس لها جدوي تذكر، واسترجاع التسامح والتصالح الوطني، وشعور الثقة في الوطن وبين أبنائه يمكن بالتأكيد أن يدفع بالشعب المصري نحو نهضة اقتصادية جديدة.
ولذلك ليس أمامنا من اليوم غير العمل والعمل الجاد من أجل الإنتاج. فالوقت لم يعد يسمح بإطلاق بعض الشعارات والتصريحات والاكتفاء بذلك.
إن تحقيق النمو الاقتصادي يتطلب أن يكون هناك استقرار في معدلات النمو علي المستوي المنظور، ليتم العمل علي الأمد الطويل لرفعها بما يتناسب مع أهداف تحقيق التنمية والإنتاج المناسب لمصر، ورفع الإنتاج ينبغي أن يكون الشغل الشاغل لكل المجتمع المصري، حيث لا يمكن لنا أن نقبل بأن يبقي الاقتصاد في مصر ما بعد الثورة معتمدًا علي عوائد قناة السويس والسياحة فقط.
الثروة البشرية
إن مصر ليس لها الكثير من الموارد الطبيعية، كما أن المساحة المزروعة من أرضها ليست بالمساحة الكبيرة، أقل من 10٪، ولكن مكمن الثروة المصرية الحقيقية هو أبناؤها. فمصر تتمتع بثروة بشرية هائلة إذا ما أحسن استغلالها من خلال العمل المنتج، ومن خلال مشاريع قومية يلتف حولها أبناء الشعب المصري يمكن لها أن تحقق الكثير، خاصة إذا ما توازي ذلك مع مشروع نهضوي كبير لتحقيق طفرة في مستوي التعليم والبحث العلمي، وبالتالي في قدرات الثروة البشرية المصرية.
إن ما يطلق عليهم في مصر الآن 'شباب الفيس بوك'، يعلمون أن مصر كان لديها يوما مستوي من التقدم في مجالات التعليم والبحث العلمي تفوق التي كانت لدي دولة مثل كوريا الجنوبية، والتي أصبحت الآن من أهم اقتصاديات العالم. كما أنهم يعلمون أنه خلال العقود الثلاثة، التي أمضاها السيد مبارك في قصر الرئاسة تراجعت الأمور في مصر بدرجة كبيرة، بينما تقدمت بلدان أخري، وحققت طفرات.
فاستطاعت الصين أن ترفع حياة الملايين من مواطنيها من حال الفقر، كما استطاعت في الوقت نفسه، أن ترسل روادا إلي الفضاء الخارجي، وأن تبني مدنا عملاقة 'Megacities'، وأن تصنع قطارات فائقة السرعة، وترفع مستوي التعليم بين طلاب المدن الصينية إلي المستويات الدولية. وبالتالي، فإن هؤلاء الشباب في مصر يتساءلون: لماذا لم تحقق مصر ذلك، ولماذا لا تتحرك هي الأخري نحو تحقيق مثل هذه الطفرات في التعليم والتنمية؟
وبالطبع، فإن تحقيق مثل هذا النمو هو الهدف الذي ينبغي أن تسعي إليه مصر، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك السعي سيستغرق بعض الوقت قبل أن يصل إلي مبتغاه. ولأن الأمر سيستغرق شيئًا من الوقت، ويحتاج الكثير من العزيمة، فإن الأولوية الآن تحتاج لإشعال شمعة للأمل، لأن هذه الشمعة هي التي ستضئ الطريق نحو مستقبل أفضل.
الفرصة التاريخية.. المشروع القومي
إنني أنظر إلي مصر فأري فرصة تاريخية لاستعادة هذا البلد لمكانة يستحقها بجدارة، كما أنني أري الشعب المصري القادر بالعزيمة والإيمان بحق بلاده في التطور أن يحقق الهدف المبتغي من خلال عمل هو بالضرورة بسواعد المصريين أنفسهم.
وفي هذا الشأن، فإنني أقترح بناء مشروع مصر القومي للنهضة العلمية في أسرع وقت، والذي عملت من أجله في ال12 عامًا الأخيرة مع النظام السابق وبدون جدوي لأسباب يعلمها الجميع ولا داعي هنا للعودة للماضي للحديث عنها.
إن هذا المشروع النهضوي والغير القابل للربح، يرتكز بدوره علي ثلاثية مهمة، وهي:
'التعليم العصري' وذلك لنشر المعرفة والعلوم الحديثة.
'المراكز المتميزة' وذلك للنهوض بالبحث العلمي والمشاركة العالمية.
'التكنولوجيا الإنتاجية' وذلك لبناء القاعدة الإنتاجية والمعتمدة علي تكنولوجيا العصر.
هذا المشروع في عصر العلم هو العمود الفقري للتقدم وأيضا لبث فكر مجتمعي جديد.
وكما قلت سابقا، فإنه لا يمكن لهذا المشروع أن يري النور بدون الإرادة الوطنية، وتحقيق الهيكل الأكاديمي والقانوني الخاص بالعمل في مشروع كهذا، بحرية وشفافية، مع إيجاد التمويل اللازم من قبل الحكومة والشعب المصري.
صندوق 'اقرأ'
وفي أولي كلمات القرآن التي
أوحيت للنبي محمد، تكمن الحكمة: 'اقرأ'. وإذا ما أردنا تطبيق هذه الحكمة علي حال مصر الآن، فإن ما نسعي إليه بالتأكيد هو تحقيق طفرة في اقتناء المعرفة وتطبيقها لصالح البلاد.
وفي مبادرة جديدة، اقترحت إنشاء صندوق للشراكة القومية والدولية، يمكن أن يسمي 'صندوق اقرأ' بين المؤسسات الخاصة والحكومية لدعم المشروع، ولكن لابد أن نعلم جميعا أن مثل هذا المشروع لا يمكن تحقيقه بالاعتماد علي غير المصريين، وإن كنت أثق أنه عندما يصبح نجاح هذا المشروع واضحًا، فإنه سوف يجتذب الشراكة العالمية الفعالة والنافعة.
وفي اختيار كلمة 'اقرأ' عنوانا للصندوق الذي أقترحه، فإنني أيضًا أطرح معني عالميا، حيث أردت لها أن تكون المرادف العربي للكلمة الإنجليزية 'READ' والتي هي اختصار ل 'Renaissance in Education And Development'.
وينبغي أن يكون عمل هذا الصندوق بعيدا عن كل أغراض السياسة، وأن يتم تحت إدارة مجلس أمناء من الشخصيات البارزة المصرية والعربية والدولية، علي أن يكون الهدف الرئيسي أمام هذا الصندوق هو رفع المستوي التعليمي والفكري بما يؤدي إلي بناء استراتيجية واعدة لتحقيق نمو اقتصادي واسع، وإعادة صياغة البنية التحتية في مصر، وفتح الآفاق أمام نهضة صناعية وثقافية تعود بنا إلي نهضة محمد علي، ولكن في سياق القرن الواحد والعشرين. إن الأمية ستبقي دوما عائقا قاسيا أمام تحقيق التنمية أو إرساء الديمقراطية، لهذا فإنني أقترح أن نسعي أيضا للعمل علي محو كامل للأمية، وبناء مدارس علمية للموهوبين، وبناء مراكز تطبيقية لأغراض البنية الأساسية.
الإرادة والدعم
وفي البداية، فإن إطلاق هذا المشروع يحتاج إلي مليار دولار، كما يجب أن يتم في الوقت نفسه إنشاء وقف مالي بقيمة مليار دولار أخري، لأغراض تطوير المشروع وتوسيعه بصورة متدرجة، وعلينا أن نعلم أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا في المملكة العربية السعودية لها وقف مالي يقرب من 20 مليار دولار.
وسيحتاج الأمر بالتأكيد خلال سنوات متتالية لمزيد من الأموال التي يمكن أن يسهم بها عدد من الدول المعنية بدعم استعادة النهضة المصرية ليتم توفير هذه الأموال من خلال البنك الدولي أو البنك العربي أو صندوق الإنماء الإسلامي، بجانب التبرعات الأساسية من الشعب والحكومة المصرية. ولكن كما ذكرت سالفا لا يمكن لهذا المشروع أن يتم بدون الإرادة المصرية والدعم المصري، ثم بعد ذلك يتم الاستعانة بمؤسسات ودول أخري، أما العكس في الرؤية ففي رأي لا يؤدي إلي النتيجة المطلوبة من مشروع بهذا الثقل والأهمية.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن قرابة نصف سكان مصر هم من الشباب دون الثلاثين، فإننا سنجد أن الأموال المطلوب توفيرها لإطلاق وعمل هذا الصندوق الذي سيكون من أبرز نتائج نشاطه رفع مستوي كفاءة الفرد المهنية والفكرية، وتمهيد الأرض لإرساء الديمقراطية الحقيقية والمعتمدة علي تبادل الآراء، فإننا سنجد أن تلك الأموال تعد النذر القليل بالمقارنة بمئات المليارات من الدولارات التي إهدرت وسرقت من مصر، وبدون فائدة للوطن وأبنائه.
وينبغي هنا أن أشير إلي الأثر النفسي الكبير الذي يمكن أن يلعبه إنشاء مثل هذا المشروع القومي الآن. فمصر هي دولة في حالة من السيولة، تتنازعها أقطاب مختلفة من مخلفات النظام السابق إلي تيارات تمارس السياسة باسم الدين وبسمات من التعصب وغيرها، وكل يسعي لأن تكون له الكلمة الأخيرة في تقرير مصير هذا البلد.
ومن خلال عملية إعادة بناء ناجحة لمؤسسات تعرضت للانهيار، فإن المشروع القومي مع صندوق 'اقرأ' يمكن أن يسهم في وضع مصر علي بداية الاتجاه الصحيح في الإنتاج من أجل الاقتصاد، والفكر من أجل التقدم. والفخر والاعتزاز من أجل بناء حضارة مستقبلية لمصر.
والجميع يعرف أن الأسر المصرية تعاني من نتائج تدهور التعليم الذي حل خلال العهد السابق. وأنا أثق أن كل أسرة مصرية، وبلا استثناء، تحلم اليوم بأمرين، أولهما: هو ضمان تعليم جيد لإبناءها. والثاني: هو الإسهام في استعادة نهضة وعزة مصر.
التاريخ.. والأمل
يعلمنا التاريخ أن البلاد يمكن أن تستعيد تجارب النجاح، ومصر قادرة علي ذلك. إن مصر قادرة علي أن تستعيد مكانتها في صنع الحضارة، وأن تكون مركز النهضة العلمية والفكرية والاقتصادية في العالم العربي.
ولكن هذا لن يتم بالجدل السياسي عن الماضي والأيدولوجيات أو بالانشقاق الوطني بين المسلمين والمسيحيين أو بالصراع بين المذاهب أو بالطموح السياسي مع إغفال مصلحة الأمة. وهنا يأتي دور هيبة الدولة واحترام القانون، والتسامح والمصالحة الوطنية، كما يأتي ضرورة عدم استغلال بعض رجال الإعلام وأهل السياسة للأوضاع الحالية في مصر.
مصر في حاجة إلي نقلة نوعية، من حالة شرعية الثورة إلي حالة دولة المؤسسات، لبناء الدولة الحديثة، وهذا يتطلب المشاركة البناءة والحقيقية، ويجب التذكر أن شبابنا في أعز المحن في الميدان كان يردد كلمة 'سلمية'، وبالتالي فهم يتوقعون أن يكون شعار كل المصريين فيما بعد الثورة هو التسامح والتعايش السلمي!
إن ثورات تغيير النظم، كما يذكرنا التاريخ، كثيرا ما يعقب مراحلها الأولي بعض الاضطرابات، وفي بعض الأحيان انقلابات، وبالتالي فإننا يجب أن نبادر بالتغيير الشامل والعمل الجاد دون تردد، لأن أي تأخير ستكون له عواقب سلبية ستتحمل مصر والمنطقة بأسرها نتائجه لعقود قادمة، إن عامل الوقت هو عامل حاسم بكل تأكيد.
ولكنني عندما أُسئَل عن ثورة 25 يناير فأقول، وكما ذكرت مرارًا في السابق، إنني 'متفائل بمستقبل مصر'، أقول هذا ليس من منطلق العواطف ولكن لمعرفتي الشخصية بطموحات شباب مصر والمستمدة من لقاءاتي معهم، وأيضًا بمعرفتي التاريخية لعبقرية مصر، فقد تجلت هذه العبقرية مرارًا، كان آخرها النصر القومي في عام 1973 بعد هزيمة 67 الفاجعة، والآن بعد نصر 2011، لابد وأن تهزم مصر الماضي وتبني المستقبل.
وفقنا الله جميعا لخدمة مصر.. مصر الأمل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.