هل ما يحدث حاليا من فوضي في مسار التعبير عن مطالب الثورة مخطط ومنظم أم أنه نابع من حماس زائد لبعض الثوار ناجم عن التباطؤ في اتخاذ الخطوات المتعلقة بمحاكمات رموز الفساد وقتلة الشهداء! إن هناك العديد من الشواهد التي تؤكد أن ما يحدث هو فوضي منظمة تهدف إلي خلق أجواء من التوتر والمصادمات تجعل الساحة الداخلية غير مهيأة لاجراء الانتخابات البرلمانية كما كان مقررا لها في شهر سبتمبر القادم. فالواضح أن الذين كانوا يرفعون شعار الدستور أولا قد وجدوا أنفسهم في مأزق الاصطدام مع الشرعية والقرار الشعبي الذي كان كاسحا في التصويت بنعم علي التعديلات الدستورية التي تمثل انتقالا سلميا للسلطة إلي الشعب بداية مع الانتخابات البرلمانية ووضع دستور جديد للبلاد وانتخاب رئيس الجمهورية. وهي لذلك فوضي غير خلاقة لن ينجم عنها إلا التشكيك في كل الدوافع والأهداف وجر البلاد إلي صدام بين الجيش والشعب بما قد يدفع في اتجاه خطوات متشددة لحماية الأمن الوطني والممتلكات العامة والخاصة. ولقد كانت القوي الاسلامية من الذكاء بحيث انسحبت في التوقيت المناسب من ميدان التحرير حتي لا تتحمل مسئولية العواقب التي يمكن أن تترتب مع بداية وجود تذمر بين العديد من فئات الشعب الذين تعطلت مصالحهم بسبب استمرار اغلاق ميدان التحرير وقطع الطرق في المحافظات وزيادة مساحة الركود الاقتصادي ومعاناة المواطنين. وهو موقف قد يجعل القوي الاسلامية عرضة للهجوم والانتقادات من ائتلافات الثوار خاصة ان من بينهم من يعتقد أن الاخوان المسلمين لم يكونوا من العناصر المؤثرة في بداية الثورة وانهم استطاعوا القفز عليها وتحقيق أكبر المكاسب فهم دون أن يقدموا تضحيات مثل الثوار ودون أن يكونوا في المواجهات الأولي لانهم لم يكونوا علي ثقة من نجاح الثورة علي هذا النحو. ولكنه موقف يتسم بالمصلحة الوطنية حيث بات واضحا أن ميدان التحرير أصبح مركزا لتحرك الثورة المضادة التي لم تعد تعتمد علي البلطجية فقط بقدر ما بدأت في استخدام أساليب جديدة بدفع الثوار إلي المزيد من التعصب والتشدد باستغلال الحماس الثوري بحيث يرتكبون الاخطاء التي قد تؤدي إلي عزلتهم شعبيا وإثارة حالة من السخط تجعل الرأي العام يقارن بين ما يحدث حاليا وما كان يحدث إبان عهد النظام السابق مستخدمة في ذلك أيضا بعض الأقلام الصحفية ووسائل الإعلام التي مازالت تتحرك وفقا لأفكار ومنظومة ما قبل الثورة. إن الثوار يفتقرون إلي القيادة الموحدة والمرجعية التي تمكنهم من اتخاذ قرارات تحمي وتصون وتحدد ملامح خطوات الثورة مستقبلا، وقد يكون ذلك سببا لكل هذه الفوضي الدائرة ولكنها لن تكون أبدا فوضي خلاقة كما أرادها الأمريكان وخططت لها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة وأنفقت عليها لتدريب بعض منظمات المجتمع المدني، فلن يكون مهضوما أبدا أن الأمريكان يريدون دولة مصرية قوية تخرج في أعقاب هذه الفوضي.. هم يريدونها دولة ممزقة تعيش علي المعونات والمساعدات فإسرائيل لن تتقبل بسهولة أن تكون هناك دولة قوية علي حدودها.. وإسرائيل هي أمريكا.. وأمريكا هي إسرائيل..!