زيارة نيتانياهو للولايات المتحدة كانت ناجحة بكل المعايير التقي خلالها بأوباما في العشرين من مايو الماضي ليتبعها بلقاء مع "الايباك" في الثاني والعشرين منه ثم خطابه أمام الكونجرس في الرابع والعشرين الذي أرسي من خلاله المرتكزات التي أراد ابلاغها للعالم كله بدءا بأمريكا مرورا بالعرب والفلسطينيين وانتهاء بالمجتمع الدولي. تحدث نيتانياهو بلغة استعلائية وكأنما أراد ايصال رسالة لأوباما تذكره بانتخابات الرئاسة القادمة وبأن اللوبي اليهودي في أمريكا هو الذي يقرر السياسات الأمريكية وفقا للاملاءات الليكودية. ولا عجب أن رأينا أوباما ينصاع لاطروحات نيتانياهو كلها ويذعن لاملاءاته.. لا لدولة فلسطينية ضمن حدود ،1967 لا لتقسيم القدس لكونها عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل، لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، لا للمصالحة الفلسطينية، لا لسعي الفلسطينيين إلي الأممالمتحدة في سبتمبر المقبل لطلب الاعتراف بدولة لهم. وقبل كل ذلك يجب الاقرار بأن إسرائيل دولة يهودية ولابد للسلطة الفلسطينية إن أراد تسلاما أن تعترف بذلك. مايسترو فرض الأمر الواقع ولاشك أن المفاجأة كانت صادقة لمحمود عباس الذي دخل دائرة التفاوض الهزلي مع إسرائيل وتأكد له اليوم أن ما كان فيه ليس إلا وهما. ولاشك أن نيتانياهو وهو يطرح إملاءاته لم يعر الزعماء العرب أي اهتمام، فهذا هو الأمر الواقع الذي عليهم تقبله والتعامل معه من الآن فصاعدا. لقد أغلق نيتانياهو الباب بصفاقة في وجه الجميع وأهان الجميع وأهان القانون الدولي وأحكامه ومعاهداته غير عابئ بأحد، فهو المقرر والمايسترو الذي يقود سيمفونية فرض الأمر الواقع علي الجميع. ولهذا ظفر بتصفيق حاد من أعضاء الكونجرس. صفقوا كثيرا للرجل الذي حشر أوباما الرئيس الأمريكي في الزاوية. بهلوان يستميل إسرائيل!! ولا غرابة، فلقد ظهر أوباما مجرد بهلوان يقدم العرض الذي يستميل به نيتانياهو كي يرضي عنه ويصطفيه. أوباما الذي هلل للثورات العربية علي أساس أنها الطريق لارساء الديمقراطية والعدل والحريات غيب نفسه كلية عن ممارسات إسرائيل كاحتلال بل علي العكس ثمن مواقفها واستمر في الاشادة بها علي أنها تقود الديمقراطية في المنطقة. ولا أعلم عن أي ديمقراطية يتحدث اللهم إلا إذا كان القتل والبتر والقهر والسلب والاغتيال والاعتقال هي أوجه لديمقراطية جديدة في العرف الدولي الحالي. لقد أثبت أوباما بتخاذله وتراجعه وإذعانه لإملاءات إسرائيل بأنه أكبر دعم للعدوان واغتيال الأبرياء ومصادرة الحريات وطمس الحقوق وفرض الحصار. بل إن أوباما تمادي في إظهار الولاء والانتماء لمطالب نيتانياهو ومن ثم حرص خلال زيارته للندن الأربعاء الماضي أن يعاود الحديث عن الخطأ الذي سيقع فيه الفلسطينيون إذا طالبوا مجلس الأمن بالاعتراف بدولة فلسطين في حدود سنة ،1967 وأن البديل هو الجلوس إلي طاولة التفاوض مع إسرائيل. ولا غرابة فالرجل أدمن المفاوضات العبثية ووجد أنها غطاء هلامي للاشيء. علي العرب الإفاقة تصريحات نيتانياهو الصادقة عرت الصورة الحقيقية لأمريكا ومؤسساتها، واماطت اللثام عن المحرك الحقيقي الذي يدير سياستها ويضع قراراتها. وبالتالي لا غرابة أنه ظهر أوباما خانعا مذعنا لسيده نيتانياهو، ولا غرابة في أن يصفق أعضاء الكونجرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ لنيتانياهو وهو ينسف عملية السلام ويغتال حقوق الفلسطينيين ويصادر أراضيهم. وعليه فلا يمكن للعرب أن ينظروا إلي ساسة أمريكا علي أنهم دعاة حق وباحثون عن العدالة. وبالتالي آن الأوان للعرب كي يتخلوا عن عجزهم وعن الوهم الذي عاشوا في كنفة سنوات طوالا ظنا منهم بأن أمريكا هي راعي السلام الأمين الشريف النزيه. اليوم ظهرت الحقيقة واضحة كاشفة وتأكد للجميع بأن أمريكا هي الحضن الدافئ لنيتانياهو وعصابته المأجورة، وأن اللوبي اليهودي هو الذي يقودها ويرسم لها سيناريوهات سياستها. وأنها استمرت السير في ركاب هذا الكيان الصهيوني المتعجرف بفعل النفوذ الطاغي للوبي اليهودي في جميع دوائر صنع القرار الأمريكي.