إن أول رد منطقى يتبادر للذهن للإجابة عن هذا السؤال سيطرح ثلاثة احتمالات فإما أن يستمع لآراء مستشاريه الذين اختارهم بعناية لإدارة أهم ملفات الدولة الحيوية وإما ينصت لرؤية الحليف الأمريكى وإما ثالثهم وهو نداءات السلام التى تصله من عواصم العالم وفى مقدمتها القاهرة التى تبذل جهوداً دبلوماسية مكثفة لإعادة اطلاق المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين.. لكن فى حالة نيتانياهو ومن داخل إسرائيل من يؤكد وبالوثائق أنه واقع تحت تأثير من لهم اليد العليا فى تنصيبه فى منصبه بل فى استمراره فيه. وهم لا يمثلون الشعب الإسرائيلى فى الداخل، بل يشكلون تيارا من قادة يهود الولاياتالمتحدةالأمريكية.. ويشار إلى انهم من فرضوا وجود نيتانياهو على مسرح السياسة الإسرائيلية منذ عقد ونصف العقد من الزمن بتبرعاتهم الشخصية له، وذلك إما للصداقة الحميمة التى تجمعهم به وإما لاتفاقتهم معه فى آرائه السياسية. وقد شكلت تبرعاتهم له فى حملته الانتخابية الأخيرة فى الليكود نسبة 98% من إجمالى النفقات مما شكل مسابقة فريدة لم تسجل فى تاريخ أى من رؤساء الحكومات السابقين. تلك التبرعات الخارجية لا تتعارض مع القانون الإسرائيلى لذا دعا مراقب عام الدولة «ميخا ليندشتراوس» إلى ضرورة تشريع قانون جديد يحدها ويحددها حتى لا تتحكم أموال قلة من يهود أمريكا المتشددين فىالمفاوضات مع الفلسطينيين. من رموز ذلك التيار المتشدد كان «كن ابرموفيتش» الصديق القديم والحميم لرئيس الحكومة نيتانياهو .. توجه إليه شاحر جينوسر من صحيفة يديعوت والتقى به فى منزله الفاخر فى الدور الواحد والعشرين ببرج مانهاتن والمطل على حديقة سنترال باراك، وأراد استطلاع رأيه المرتبط بتبرعاته الشخصية لنيتانياهو فيما يتعلق بقرار نيتانياهو بقبول أو رفض وقف بناء المستوطنات قال للصحفى : «سأذكر لك مثالاً على سؤالك، لو افترضنا أن شخصا ما طلب منك القيام بتصرف غبى مثل القفز من أعلى ناطحة سحاب فهل ستستجيب له؟... بالطبع لن تفعل ذلك وكذلك رئيس الحكومة نيتانياهو، عليه الانتظار إلى حين مغادرة «أوباما» للبيت الأبيض، وألا ينصت لنداءات عواصم العالم لتحديد قرار تجميد البناء الاستيطانى .. وألا يلتفت للوبى الضغط المسمى «جى ستريت» لأن كل أعضائه من المرضى الواجب اخضاعهم لجلسات مكثفة من العلاج النفسى».. ذكرت رأى أبرموفيتش لأنه شخصية محورية فى تيار اليهود الأمريكان المقربين من نيتانياهو، فهو يشغل منصب رئيس منظمة أصدقاء حزب الليكود فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وله مثل أعضاء تيار اليهود الأمريكان من المناهضين للسلام، وجهات نظر رافضة للمفاوضات تسمى فى اللغة الدبلوماسية المهذبة إملاءات، وفى اللغة العامية تسمى أوامر فهو من يدفع وبسخاء مصاريف جولاته الانتخابية الشخصية آلاف الدولارات التى تتجمع لتبلغ الملايين.. ففى الانتخابات الداخلية لحزب الليكود فى عام 2005 بلغ حجم تبرعاته لصديقه نيتانياهو أربعة ملايين دولار، ورئيس الحكومة مثله مثل أية شخصية سياسية أخرى فى إسرائيل يحتاج لذلك المال ومن الطبيعى أن يحرص على مانحيه ذلك أثار قلق مراقب عام الدولة «ميخا ليندشتراوس» الذى طالب كثيراً بحظر التبرعات الشخصية من الخارج إلى السياسيين والبرلمانيين، وبالفعل طرح مشروع قانون فى الكنيست لتغيير القانون الذى يسمح بتحويل الأموال من الخارج للانتخابات الداخلية فى الأحزاب لكن رئيس الحكومة نيتانياهو بعث بمندوبه ديفيد شمرون للبرلمان وأجهض مشرع قانون مراقب عام الدولة. المشهد العام للاحزاب السياسية داخل إسرائيل يظهر دور أعضاء ذلك التيار الأمريكى فى استقطاب الرموز المطالبة فى تشددها اليمينى واغداقنا الأموال عليها حتى تصعد إلى قمم القوائم الحزبية، وأمامنا حالة موشيه فيجلين الأكثر تشددا من نيتانياهو فى آرائه السياسية والأشد تطرفا فى رفض تجميد النشاط الاستيطانى، فى حملته الانتخابية الأخيرة فىالليكود بلغت نسبة الأموال المحولة إليه لتمويلها من الخارج نسبة 80% من إجمالى الانفاق عليها. وظاهرة تدخل المال الاجنبى على القرار السياسى الداخلى فى إسرائيل ليست مقصورة على نيتانياهو فقط بل تشمل الكثيرمن زعماء الأحزاب السياسية فعلىسبيل المثال زعيمة حزب كارى تسيبى ليفنى حصلت على 40% من ميزانية حملة الانتخابات الداخلية فى الحزب من خارج إسرائيل، ومن تجاوزها فى تلك النسبة غريمها المنافس فى الحزب شاؤول موفاز الذى تتدفق عليه ملايين الدولارات فى صورة تبرعات من اليهود مهاجرى إيران فى كافة ارجاء العالم وتقدر بأضعاف ما يحصل عليه من المواطنين الإسرائيليين فى الداخل. وبصفة عامة تتدفق الأموال الأجنبية على رموز الخط الصقورى فى الأحزاب اليمينية ولا يجرى تمويل دولار واحد للجماعات المؤيدة للسلام. والملاحظ فى قائمة الشخصيات الذين دأبوا على التبرع السخى لنيتانياهو فى الانتخابات الداخلية فى حزب الليكود أو رئاسة الحزب أنها شملت نوعين من المتبرعين، الأول يشمل أشخاصاً تبرعهم فى حكم المؤكد والثانى مجموعة اشخاص محتمل تقديمهم للتبرعات، فهو عرض القائمة على رئيس الحكومة وتفحصها بدقة وقام بشطب اسماء وكتابة اسماء آخرين بدلا منهم يثق فى انهم سيمدونه بما يحتاج إليه من أموال لحملته الانتخابية. ومن هؤلاء المليونير اليهودى الأمريكى اوروينى سكوفيتش الذى أقام بأمواله الخاصة مستوطنة فى قلب مدينة القدس تدعى أبوغنيم للمساهمة فى تهويد المدينة ويشار إلى أنه لا يزال يخطط لإقامة مستعمرات أخرى فى قلب المدينة. ظاهرة سيطرة رأس المال الأجنبى من قلة من يهود أمريكا المتشددين على قرار استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين تقلق المواطن الإسرائيلى البسيط كما أقلقت مراقب عام الدولة.. وعلى نيتانياهو اتخاذ القرار الصائب والاختيار بين صفقاته الشخصية مع أثرياء أمريكا اليهود المعادين للسلام أو الاستجابة لنداءات السلام خاصة أن الفرصة مازالت سانحة للعودة إلى مائدة المفاوضات مع الفلسطينيين.