في واقعة جديدة تثير القلق حول سلامة المقتنيات الأثرية المصرية في الخارج، أعلن متحف اللوفر في باريس - أعرق وأشهر متاحف العالم - عن تلف مئات الكتب والوثائق المتخصصة في علم المصريات نتيجة تسرب مفاجئ للمياه داخل مكتبة قسم الآثار المصرية أواخر نوفمبر الماضي. ورغم تأكيد إدارة المتحف أن التلف اقتصر على «وثائق بحثية ليست نادرة»، إلا أن الإعلان الرسمي عن الحادث جاء بعد انتشار الخبر على مواقع متخصصة، ما أثار تساؤلات واسعة حول مستوى الشفافية وقدرة المؤسسات الغربية على حماية التراث العالمي الذي تحتفظ به. 400 كتاب ووثيقة.. ضحايا «ماسورة» قديمة وبحسب نائب مدير المتحف فرانسيس ستاينبوك، تضرر ما بين 300 و400 كتاب ووثيقة، معظمها مجلات علمية ومواد أرشيفية من أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وأوضح أن التسرب نتج عن «فتح غير مقصود لصمام مرتبط بنظام تدفئة وتهوية متقادم»، كان من المقرر تحديثه العام المقبل. ورغم طمأنة المتحف بعدم المساس بأي قطعة أثرية مصرية أصلية، إلا أن خسارة هذا الكم من الوثائق البحثية تُعد ضربة موجعة لعلم المصريات، خصوصًا أن هذه المواد تُستخدم يوميًا من الباحثين لفهم تفاصيل دقيقة في تاريخ الحضارة المصرية. سرقة مجوهرات.. وتصدعات في البنية التحتية اللافت أن حادث التسرب جاء بعد أسابيع قليلة من سرقة مجوهرات تُقدّر قيمتها ب102 مليون دولار من داخل المتحف، في عملية وُصفت بأنها «الأجرأ» خلال عقود، كما أغلق اللوفر أجزاء من قاعاته في نوفمبر بسبب مشكلات إنشائية. هذه الحوادث المتتالية رسمت صورة مقلقة عن قدرة المتحف على حماية مقتنياته، خصوصًا تلك القادمة من حضارات أخرى، وعلى رأسها الحضارة المصرية، التي تشكل إحدى أكبر مجموعات المتحف وأكثرها طلبًا للبحث والدراسة. خسائر معرفية لا تُعوّض.. ودعوات عالمية لإعادة الآثار الكتب والمجلات التي تلفت ليست مجرد أوراق، بل مصادر معلومات قد لا تتوافر في مكان آخر.. فتلف أي وثيقة يعني فقدان رواية تاريخية أو تفسير أثري كان يمكن أن يغير فهم الباحثين لفترة كاملة. ومع كل حادث جديد، تتزايد المطالبات بإعادة القطع إلى دولها الأصلية، أو على الأقل توفير ضمانات أعلى لحمايتها.. فالمزاج العالمي يميل بقوة نحو استعادة الدول لتراثها، خاصة بعد تكرار مثل هذه الحوادث. والسؤال الذي طرحته الأزمة الأخيرة ليس فنيًا فقط، بل ثقافيًا أيضًا: هل ما زال من الآمن ترك آلاف القطع المصرية في متاحف تعترف هي نفسها بتهالك بنيتها الأساسية؟.. خاصة بعد أن أصبح لدى مصر المتحف المصري الكبير.. ذلك المشروع الضخم الذي بُني وفق أعلى معايير حفظ وترميم وعرض الآثار، ما يجعله نموذجًا مضادًا للحوادث التي نراها في الخارج الآن. التسرب المائي في اللوفر ليس مجرد حادث عابر، بل جرس إنذار لما قد يحدث عندما تتخلى المؤسسات عن تحديث بنيتها.. والأخطر أنه يتعلق بقسم يحمل بين طياته جزءًا مهمًا من تاريخ مصر القديم الذي نستحق وبجدارة الاحتفاظ والعناية به.