في محاولة منها لإنقاذ عملية السلام في المنطقة تبذل مصر جهودا دبلوماسية مكثفة لعودة المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, التي توقفت بسبب رفض نيتانياهو تمديد مهلة قرار وقف بناء المستوطنات. التحرك المصري بدأ قبيل توقف الجولة الثانية من المباحثات في شرم الشيخ باتصالات علي مستوي عال مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية اعقبها زيارات ولقاءات قام بها الوزيران أحمد أبوالغيط وعمر سليمان اللذان يتوجهان إلي واشنطن خلال أيام لطرح عدد من الأفكار للحفاظ علي عملية السلام من الانهيار, ومعرفة الرؤية الأمريكية لاستئناف هذه العملية, والدور الذي يمكن أن تقوم به واشنطن لإعادة اطلاق المفاوضات مرة أخري وسط توقعات بصعوبة استئنافها سريعا بسبب مواقف إسرائيل ورئيس وزرائها وائتلاف حكومتها اليميني الذي يهدد بالانسحاب منه في حال قبول نيتانياهو وقف بناء المستوطنات برغم الصعوبات فإن مصر مازالت تري أن فرصة احلال السلام والعودة للمفاوضات لاتزال قائمة وعلي الاطراف عدم اضاعتها وتري ايضا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية يجب أن تبذل جهدا أكثر في اتجاه اقناع الطرف الإسرائيلي بالعودة للمفاوضات عن طريق تقديم بعض الحوافز التي تشجع الطرف الفلسطيني علي العودة وأهمها الاستجابة لطلب وقف البناء الاستيطاني, وتري مصر أن ذلك سيخرج المفاوضات من أزمة التوقف وسينقذ الاطراف المتفاوضة من مأزقها, ومن المؤكد أن القراءة المصرية للموقف صحيحة كل الصحة, فالطرف الفلسطيني لايستطيع المضي في المفاوضات بعيدا عن شروطه, وفي نفس الوقت لايستطيع رفض العودة بشكل نهائي مع استمرار بناء المستوطنات, وهو ما يلغي واقعيا فكرة الدولة وحدودها, وهو في نفس الوقت لايستطيع إسقاط فكرة المفاوضات نفسها, فهذا يعني اسقاط مشروع الحل السياسي الذي بدأ في أوسلو وقامت علي أساسه السلطة الوطنية الفلسطينية, ويؤكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه لايستطيع العودة للمفاوضات إلا بتجميد الاستيطان بشكل كامل وليس أمام الفلسطينيين في حال رفض نيتانياهو الاستجابة سوي سبعة خيارات يصفها الرئيس الفلسطيني بأنها ستكون متتابعة الأول هو العودة للمفاوضات في حال قبول إسرائيل للشرط الفلسطيني, أما الخيارات الاخري فهي الاتصال بالإدارة الأمريكية ومطالبتها بموقف محدد وحاسم حول مجمل القضايا, دفعها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة بحدود عام7691, أو الذهاب إلي مجلس الأمن وانتزاع الاعتراف الدولي بالدولة الجديدة, ولم يشأ أبومازن الإفصاح عن بقية الخيارات التي يراها مسئولون فلسطينيون في حال اللجوء إليها مريرة وتعود بالمنطقة للمربع رقم واحد, ويبدو أن هذه المخاوف هي التي دفعت الرئيس أبومازن للتأكيد أن الفلسطينيين لايزالون متمسكين بالخيار الأول وهو العودة للمفاوضات في إطار الشروط الفلسطينية, لكنه لم ينف أنهم أي الفلسطينيين يعدون أنفسهم للخيارات الأخري. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي فهو يلعب بأوراق الانقسام الفلسطيني وضعف الموقف الأمريكي, وفي تقديري أنه يعيش مثل باقي أطراف الصراع في مأزق, فرغم الظروف المحيطة بموقفه التي أعطته نوعا من القوة ساعدته في عدم تمديد قرار وقف بناء المستوطنات فانه يشعر بأنه وحيد ومعزول حتي من جانب قطاع واسع من الشعب الإسرائيلي الذي يأمل في إنهاء الحروب والصراع, ومن شخصيات وقيادات ومنظمات يهودية داخل إسرائيل وخارجها تصف نيتانياهو بأنه يدفع إسرائيل لكارثة بسبب مواقفه, فقد نصح مؤتمر قادة الشعب اليهودي أثناء مناقشة مستقبل إسرائيل وشارك فيه قادة يهود من الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وأوروبا نيتانياهو بقبول قيام الدولة الفلسطينية في إطار حدود عام7691 مع بعض التعديلات, علي تكوين وضم بعض الأراضي والكتل الاستيطانية والقبول بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية ووضع الأماكن المقدسة تحت اشراف دولي مقبول من الجانبين وحل مشكلة اللاجئين والاعتراف بمشكلاتهم, ومناقشة امكان توطينهم في الشرق الأوسط وإسرائيل ودول أوروبا وأمريكا, وحاول المؤتمر الذي عقد منذ اسبوعين اعطاء دور ناصح لإسرائيل لتحسين صورتها الدولية ومواجهة التحديات كما قال اعضاء المؤتمر الذين رأوا أن المهمة الأولي لإسرائيل يجب أن تكون تفضيل السلام وقبول المقترحات الفلسطينية وفق برنامجهم إلا أن نيتانياهو رفض الإصغاء للنصائح اليهودية وتحدث عن مخاوف إسرائيل من التهديدات الإيرانية التي تستهدف تدميرها, واعتبر ان التحدي الأول لإسرائيل هو التهديد الإيراني وليس صنع السلام. نيتانياهو إذن يرفض نصائح يهود العالم بما فيهم الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز الذي أكد أن صنع السلام في المنطقة يساعد علي إنهاء التهديد الإيراني. ونيتانياهو يرفض ويناور علي ضغوط الحليف الأمريكي مستغلا أوضاع الرئيس أوباما في الداخل, وهو ايضا يرفض دعوات العقل والحكمة ونداءات السلام التي تصله من القاهرة. إذن نيتانياهو لايريد ان يستمع لأحد ولا يريد للسلام ان يتحقق وهو يضع بمواقفه المنطقة علي حافة الانفجار ويدفع الفلسطينيين لاتخاذ واللجوء لخيارات أخري ومنها المقاومة والعودة لخيارات الحل العسكري بدلا من الحل السياسي الذي يئس منه قطاع عريض من الشعب الفلسطيني, وبدأ في الضغط علي قيادته في رام الله لإعادة النظر فيه والبحث عن بديل وهو ضغط يمكن أن يستمر مما تضطر معه القيادة الفلسطينية للاستجابة له, مما يعني إلغاء كل الاتفاقيات والالتزامات التي وقعتها السلطة الوطنية منذ أوسلو حتي الآن, وهذا يعني بوضوح عودة الحرب مرة أخري للمنطقة ولا أحد يعرف إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك أنه بعدم الاستجابة لنداءات السلام يهدد أمن بلاده وشعبه, وأن المدخل الحقيقي لوقف العنف والكراهية والحرب هو عودة حقوق الشعب الفلسطيني. وبرغم ما يبدو من ضعف الموقف الفلسطيني فلايزال الفلسطينيون يملكون أوراقا مهمة وخيارات عديدة يمكن أن تجعل نيتانياهو يعيد التفكير في مواقفه هذه إذا كان جادا في صنع السلام وحريصا علي أمن وسلامة شعبه إن الفرصة مازالت سانحة للعودة للمفاوضات, ولعل التحرك المصري يأتي إدراكا من مصر أن الجمود يدفع المنطقة لأخطار جديدة, ويفتح الباب لتجدد الصراع, ولهذا يأمل الجميع ان يستمع نيتانياهو لصوت العقل والسلام. المزيد من مقالات مجدي الدقاق