يبدو أن حالة اللايقين السائدة علي مستوي اقتصاديات العالم التي مازالت تربط الحزام وتعلن التقشف في أعقاب أزمة مالية عالمية دخلت عامها الثالث ولم يبرأ منها العالم حتي الآن والثورات الإقليمية التي تسعي شعوبها لتدشين الحياة الديموقراطية قد ألقت بظلالها علي القطاع المصرفي الذي يواجه ظروفا استثنائية هذا العام بسبب التحفظ في القنوات الاستثمارية التي كان يعتمد عليها وذلك منذ اندلاع الثورة المصرية وجعلته محاصرا بين بورصة غير مستقرة من جهة وبين قطاع التجزئة المصرفية الذي كان يمثل رافداً مهماً في عملية التوظيف وبين هذا وذاك تبدو العملية أكثر صعوبة في تمويل رجال أعمال جدد والإبقاء علي تمويل عدد محدود للعملاء الحاليين وإذا كان التحفظ في مثل هذه الأزمات ضرورياً يبدو أن مصائب قوم عند قوم فوائد. فالحكومة تعاني من قفزات هائلة في الدين المحلي وعجز الموازنة أفقدتها القدرة علي إيجاد حلول في الآجلين المتوسط والقصير وتبدو الأمور أكثر تعقيداً مع عودة الأسعار للارتفاع مجدداً بسبب الاحتكار وغياب الرقابة الكافية علي الأسواق حيث يحاصر البنك المركزي بين ضغوط لرفع سعر الفائدة في ظل عودة موجات التضخم رغم تأكيده علي تراجعه وبين وجهة نظر تدور داخل الأروقة تؤيد الإبقاء علي سعر الفائدة منخفضا في هذا التوقيت الذي تعاني فيه البلاد من ركود اقتصادي لكن بعض الخبراء يفندون هذه الحجة قائلين إن البنوك تتحفظ بشدة في منح الائتمان وبالتالي فإن هدف تشجيع الاستثمار لن يؤتي ثماره في ضوء تحفظ مفرط من قبل البنوك التي رفع كثير منها شعارات عفوا نعطي الائتمان فقط لعملاء (البنك الكبار) أما قطاع التجزئة المصرفية فيعاني من شلل كبير في معظم البنوك الكبري التي تستحوذ علي الحصة الأكبر في السوق ووصل الأمر في بعض الأحيان إلي طلب إدارات المبيعات من المندوبين الانتظار في المنزل حتي إشعار آخر ولولا الاحتجاجات الفئوية التي شهدتها البنوك خلال الفترة الماضية وجهود المركزي لاحتوائها لكانت كثير من البنوك أقدمت علي عمليات تسريح واسعة النطاق علي غرار ما قامت به في نهاية عام 2008. أزمة الودائع وتواجه الودائع المكدسة في البنوك أزمة توظيف محققة فالمواطن ليس أمامه سوي الإبقاء علي أمواله داخل خزائن البنوك رغم سلبية العوائد المحققة في صورة ودائع وشهادات ادخار إعمالاً لمبدأ العزوف عن المخاطرة في وقت الأزمات رغم التراجع الكبير الذي شهدته حركة الودائع في البنوك حيث انخفض حجم الودائع بالقطاع المصرفي خلال يناير الماضي بنحو 8،052 مليار جنيه ليصل إلي 944،081 مليار جنيه مقارنة بنحو 9521،33 مليار جنيه بنسبة تراجع بلغت 0،8% نهاية ديسمبر الماضي وذلك وفقا لأحدث تقرير للبنك المركزي. وبين الحقائق المؤكدة والإرهاصات يبدو أن توظيف الودائع خلال العالم الجاري سينصب في صالح هوة عجز الموازنة التي فشلت الحكومة في ردمها حيث تغازل هذه القناة المضمونة أموال البنوك بعد أن ضاقت عليها الأرض بما رحبت ويبدو التناقض واضحا بين دعوة حقيقية من قبل المسئولين لدعم الاستثمار وتمويل المشروعات وإعادة بناء الاقتصاد وبين تحفظ معظم البنوك وتفضيلها تمويل عجز الموازنة ورغم تحفظ رؤساء وقيادات البنوك علي التعليق علي هذا الأمر وقولهم إن البنوك ستمول "العميل الجاد" وهي عبارة مطاطة تحمل الكثير من المعاني التي قد تختفي أمام دهاليز المستندات المطلوبة كانت بعض القيادات أكثر صراحة ولم تجد غضاضة في أن تبوح بالواقع. رئيس بنك تنمية الصادرات هشام حسن توقع في لقائه مع المصدرين الأسبوع الماضي ارتفاع أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة بواقع 1% علي تكلفة التمويل وسط توقعات باتجاه لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي نهاية الشهر الحالي لرفع سعر الكوريدور. وأرجع حسن ذلك إلي العجز الكبير الذي تشهده الموازنة العامة للدولة وبالتالي سدادها عن طريق أذون الخزانة والسندات الحكومية الأمر الذي سيؤدي إلي طرحها بأسعار فائدة مميزة لتشجيع البنوك للإقبال عليها حيث إن جميع البنوك تعتمد في تمويلها علي عملائها الحاليين دون التوسع في منح ائتمان لعملاء جدد -بحسب قوله: الخبراء من