عرف جيلي "هيئة التحرير" وهي إحدي المنظمات السياسية التي جاءت بها ثورة يوليو 52 كانت تضم شبابا أهم سماته الولاء المطلق للثورة لا يهم من يكون ولا ماذا يعمل، المهم "الولاء" فقط وأتصور أن فكرة "الولاء" ترسخت تماما في عقول شباب ذلك الزمن الي حد "التطوع" لخدمة ثوار يوليو بمنتهي الولاء لهم والولاء هو مبدأ "أخلاقي" قبل أن يكون مبدأ سياسياً وينطوي علي رفض أي شيء يعارض أفكار الثورة أو يخالفها أو يختلف معها في الرأي إنه الولاء المتحجر في زمن يوليو 52 وبعد شباب هيئة التحرير انبثقت "منظمة الشباب" وبالطبع كان "الولاء" هو القيمة الأولي لاختيار المشاركين فيها ولعل الولاء قد انحرف عن مساره حين تحولت منظمة شباب يوليو إلي "منظمة تقارير" ولن أنسي انه ذات يوم فوجئت بقول السيد أحمد كامل مسئول هذه المنظمة يسألني وكنت قد تعرفت عليه من خلال السفير جمال منصور رحمه الله "فين سلسلة مفاتيحك؟" وأدهشني السؤال فأخرجتها من جيبي وقلت له مازحا: "ليس من بينها مفتاح عربية".. فلم أكن أملك سيارة في ذاك الوقت المبكر ولكنه أمسك بها وفحصها وقال لي: "يبقي صح" سألته بفضولي: "ايه اللي صح يا افندم؟" فقال السيد أحمد كامل: "السلسلة فضة!!" معني هذا أن أحدا من زملائي كتب تقريرا فيه هذه المعلومة التافهة ما قيمة السلسلة الفضة ذات المبلغ الزهيد وكانت هدية في عيد ميلادي من "جمال بك" كما كنا نناديه فقد كان يتوسم في شخصي الضعيف مستقبلا في الكتابة وعرفته من خلال عبدالحليم حافظ.. أتذكر أني سألت جمال بك منصور عن أهمية معلومة سلسلة المفاتيح الفضة فقال "إن عضو منظمة الشباب أراد أن يبرهن علي قسم الولاء بتفاصيل هايفة لا تحمي الثورة ولكنها تبرهن أنه ينقل المعلومة الصح وهذا عبث"!! وظل شباب مصر أسيرا لفكرة الولاء وجاء "التنظيم الطليعي" الذي كان "عينا" للثورة علي كل الناس من خلال كل المواقع حتي أنني لم أكن أعرف من هو مندوب التنظيم الطليعي داخل روز اليوسف وكنت اسأل نفسي همسا: هل ولائي للملك فاروق وليس للثورة؟ وهل جموع الناس مشكوك في ولائها؟ ولم أتلق الرد لأن تلك الفترة كان السؤال فيها ترفا ذهنيا! ومرت الأيام وذهبت ثورة يوليو وإن بقيت "انماطها الفكرية" فقد ظل النظام الشمولي يحكم حياتنا باختلاف الرموز وجاء الحزب الوطني و"أمانة الشباب" وكان الولاء للحزب شرطا أساسيا ومرة أخري يعود التحجر والجمود في الرأي.. ولم تكن أمانة الشباب في الحزب يهمها التثقيف الذهني للشباب بقدر ما يهمها الولاء المطلق لرموز الحزب واعتبار الأحزاب الأخري أعداء للوطن وفي تلك الأثناء ظهرت موضة "الشباب" من مجلس أعلي للرياضة والشباب اهتم بالرياضة الكروية أكثر ما اهتم بعقول الشباب إلي إذاعة خاصة للشباب والرياضة تذيع مباريات الكورة علي موجتها اكثر من أي بناء فكري. الحق أقول إن قطاعا كبيرا من الشباب المهمش في الجامعات لم يكن يهمه أمانة الشباب في الوطني ولم يكن يهمه مباريات الكرة المذاعة في الراديو فاختار "أبا" غير أبيه و"منهجاً" غير ما يتعلمه و"معلومات" غير ما تلقن له.. اختار الفيس بوك ومن خلاله تحاور بحرية وشجاعة وتحرر ذهني وقدرة علي التواصل. هذا الشباب اختار "ميدان التحرير" موعدا للقاء و... وكان أن عصف بكل القيم البالية الماضية يوم 25 يناير 2011 صار الولاء المطلق.. لمصر.