نظام اقتصادي تسوده العشوائية هذا أبسط وصف يطلقه المراقبون علي حال الاستثمار في مصر.. فتضارب القرارات والقوانين أسهم بشكل كبير في تشويه العلاقة بين المستثمر والحكومة وما حدث مؤخرا في مشروع مدينتي ليس سوي نموذجا بسيط لوضع اقتصادي مترهل ستظهر ملامحه بصورة أكثر وضوحا خلال الأيام القادمة عندما يتم فتح ملفات العديد من المشروعات الصناعية والسياحية والزراعية والتي لا يختلف وضعها كثيرا عما حدث في مدينتي حيث تم منح أصحابها الأراضي بنظام الأمر المباشر. أين مصداقية الدولة؟ سؤال يطرحه المستثمرون والخبراء ورجال القانون بعد حالة اللغط التي تشهدها الساحة الاقتصادية حاليا والتي تطرح سؤالا أكثر أهمية وهو: من المستثمر الذي سيقدم علي بلد لا يعلم مسئولوها الفرق بين القوانين.. وهل ننتظر تدخل الرئيس في كل مرة لمنع حدوث مزيد من الكوارث في اقتصاد مصر الذي سوف يتأثر بشكل مباشر بدءا من حامل السهم مرورا بحاجز الوحدة وانتهاء بالعامل في الموقع خاصة أن الجاني هنا يمثل لغزا كبيرا والذي سيتحمل الذنب في النهاية هو المواطن البسيط الملتزم بدفع الأقساط حتي في ظل هذه المشكلات وإلا تعرض للمساءلة وذلك رغم تخوفه الشديد وحيرته من المصير المجهول الذي ينتظر تحويشة العمر. بداية يوضح المهندس حسين صبور رئيس مجلس إدارة شركة الأهلي للاستثمار العقاري أن هناك مئات المشروعات التي تم منحها الأرض بنظام التخصيص في مجالات الإسكان والصناعة والزراعة والسياحة ينتظرها مصير مبهم في ظل حالة التخبط التي تشهدها الساحة الاقتصادية الآن والتي جعلت أنظار العالم تتجه إلينا في صورة سلبية، والسؤال الذي يطرحونه حاليا: ماذا يحدث في هذه الدولة التي لا تطبق القانون مضيفا أن ما حدث في مشكلة مدينتي مثال صارخ لهذا الوضع، ففي الوقت الذي أعلن فيه النائب العام بعد التحقيق في هذه القضية أن عملية البيع كانت سليمة والدولة حصلت علي مكاسب من هذا المشروع، كما لا توجد نية لأي انحراف ومن ثم قام بحفظ القضية ولكن علي الجانب الآخر ظهرت جهة أخري وهي المحكمة الإدارية العليا بكل مصداقيتها لتؤكد أن عملية البيع غير سليمة والدولة تعرضت لخسائر بسبب طرحها الأرض بأرخص الأسعار متسائلا: أيهما نصدق خاصة وأن الجهتين تتسمان بالمصداقية والاحترام؟! شبهة انحراف ويؤكد صبور أن المستثمر ليس له ذنب فيما يحدث حاليا خاصة أن الدولة هي التي عرضت بيع الأرض بهذا النظام، مشيرا إلي أن 95% من حالات الأراضي التي تم بيعها بنظام التخصيص لا توجد بها نية فساد والمستثمر هنا لا يلام ولكن في نفس الوقت يجب التأكيد أن هناك مخالفة للقانون تحت إشراف وبفعل الحكومة في حين أن 5% فقط من حالات هذه الأراضي يوجد بها شبهة انحراف. ويشير صبور إلي أن المتضرر الأكبر مما يحدث حاليا مصر والتي أخذت وقتا كبيرا حتي تتمكن من إعادة الثقة في اقتصادها يوم إن كان حجم الاستثمارات الأجنبية لا يتعدي ملياري دولار، واليوم وبعد أن وصل الرقم إلي 2.13 مليار دولار يتوقع أن يعود الرقم إلي مليارين فالحكومة بالنسبة للمستثمر الأجنبي أو المحلي والذي سيفضل الذهاب إلي دول أكثر استقرارا كسنغافورة أو دبي أو أندونيسيا وغيرها.. ويؤكد صبور أن القضاء هنا لا يتحمل أخطاء ما يحدث حيث إن الدولة ممثلة في وزارتها قامت باتخاذ خطوات مخالفة للقانون، مضيفا أنه إذا كان القانون يلزم مسئولي الدولة ببيع الأرض بالمزاد العلني فلماذا قامت بمنح أراض للسياحة والصناعة والاسكان بنظام التخصيص مشيرا إلي أن حكم المحكمة الإدارية العليا في قضية مدينتي أقر بأن إجراءات البيع غير سليمة رغم أن من قام بهذه الإجراءات هي الدولة والتي كان يجب أن تكون لديها خلفية بأن هناك قانونا صادرا عن مجلس الشعب عام 1998 يلزمها بطرح أراضي الدولة عن طريق المزاد، مضيفا أن مئات المشروعات سواء التي تم تنفيذها أو الجارية التنفيذ لأراض خصصت منذ 12 عاماً كلها علي كف عفريت حيث يمكن لأي شخص الآن رفع قضية علي صاحب المشروع طبقا لأحكام القانون وسوف يربح هذه القضية مشيرا إلي أن تهديدات الوليدبن طلال علي سبيل المثال باللجوء إلي التحكيم الدولي في حال تعرض مشروع توشكي لنفس موقف مدينتي أمر منطقي فهو كمستثمر لا يلام لأن الدولة دخلت هذه الصفقة وهي مستسلمة ورغم أن الأرض تم بيعها بأبخس الأسعار فإن العقد الذي يملكه المستثمر يجعله في موقف الأقوي.