أعتز حقا أني شربت المهنة - مهنة الصحافة- من عملاقين الأول الاستاذ محمد حسنين هيكل والثاني الاستاذ أحمد بهاء الدين، علمني هيكل كيف احصل علي الخبر وكيف يتحول لتحقيق صحفي وكيف اصوغه في أسلوب أقرب إلي السيناريو وعلمني بهاء كيف اتناول الموضوع والزاوية التي اختارها والمنهج الذي أفكر به. ولا يمكن أن انكر تأثري بمدرسة مصطفي أمين ومدرسة إحسان عبدالقدوس نشأت بين كتاب كبار وشعراء عظام والمهم "حرفية ومهنية" عالية.. وفكرة هذا المقال هي البحث بالملقاط عن المهنية والحرفية في صحافة هذا الزمان.. إن هذه الحرفية ضائعة ومفقودة أنا أدعي اني اتابع ما ينشر في الصحف قومية ومعارضة وخاصة وهناك عدد قليل للغاية من الصحفيين الذين صاروا كتاب أعمدة ولهم أسلوب مقروء والكثرة من الصحفيين يكتب ولكن ليس لهم أسلوب مميز فالكتابة فن البوح علي الورق وصاحب الأسلوب المميز موهبة وعمر بالسنين. في جيلي كنت أذهب للمصدر واتحمل أية مشاق من أجل خبر وكنت في روز اليوسف اتقاضي 20 جنيها علي الخبر، بنظام القطعة وإذا كان الخبر حدوتة قصيرة دفعت روز اليوسف 35 جنيها، واتذكر ان رئيس خزنة روز اليوسف قال لي: "تقدر تحول الخبر لحدوتة فتأخد 35 جنيها" وقلت لابراهيم خليل رئيس الخزنة ولكن المعلومات الواردة في الخبر محدودة ولا يمكن فبركة أي تفاصيل عنها! وقد شهدنا في زماننا الضرير الآن موضوعات وأحاديث مفبركة بالكامل وشهدنا مقالات هدفها ابتزاز رجال الأعمال الاثرياء الوافدين الجدد في حياتنا الاجتماعية والسياسية. كنت أقول اني أركب الترام مبكرا لاذهب الي مصادري أراهم واتعامل معهم وأتفاعل معهم ويصبح منهم اصدقاء لي، لقد تعلمت ان الصحفي الشاطر من أدواته علاقات اجتماعية مع المصادر فبدون هذه العلاقات المهنية لا يوجد صحفي أو صحافة. الطريف انه في هذا الزمن يطلب شباب الصحفيين المعلومات من المصادر بالتليفون وكم من مرة رفضت الحديث في التليفون للإدلاء برأي ما واتذكر ان أحد الصحفيين الشبان أجري معي حوارا بالتليفون نشر في ثلاث صفحات وطلب مني صورة ارسلها له في مقر المجلة ولم أرسل فاضطر إلي نشر صورة لي من الأرشيف! ما عاد الصحفي الشاب مخلصا للمهنة، ربما لأن الاجور لا تواجه الحياة الصعبة فاضطر إلي "سبوبة" الإعداد لبرامج التليفزيون وفي زمني كنت أعد برنامجا واحدا محددا ثم أعود إلي حضن الكلمة والحرف كنت أعلم ان الصحافة أبقي ومهما كنت محاورا علي شاشة التليفزيون فأنا اعتز بكوني كاتبا صحفيا بعض الصحفيين تركوا صحفهم ومجلاتهم وعينوا أنفسهم "رؤساء تحرير" للبرنامج! بدعة لم أعرفها في جيلي وحتي الآن ليس لبرنامج حديث المدينة أو غيره "رئيس تحرير"! وبالطبع رئاسة تحرير برنامج تليفزيوني يجلب "فلوس" أضعاف مرتبات الصحف ومن هنا فإن البعض يكتفي بنشر اسمه في الصحيفة ولكنه يمارس العمل الفعلي كرئيس تحرير للبرنامج المكلف به. وتسألون عن ضعف المهنية والحرفية في الصحافة؟!