علمنى الأستاذ «إبراهيم نافع» أن المقدمات الصحيحة تساوى قرارا صائبا.. وأن القائد المنضبط يستطيع تغيير أى مسؤول معاون، لكن الخطأ بعينه هو تغيير قرار هذا المسؤول.. وأن الصحافة مهنة قضيتها الديمقراطية، ويديرها صاحب قرار حاسم بديكتاتورية.. للمتصيدين أوضح أن الديكتاتورية هنا هى القدرة على اتخاذ القرار بعد سماع كل وجهات النظر والآراء.. وتعلمت منه أن الإدارة هدوء وفن وقدرة على ضبط النفس.. ظنى أن المئات اقتربوا منه وكسبوا الكثير، لكنهم لم يتعلموا منه شيئا.. أذكر أننى قلت له يوما، إننى أكثر المستفيدين منك.. هنا ضحك ساخرا - لأنه كان يعلم المستفيدين قدر ما ظلمنى - ثم سألنى: هات ما عندك.. قلت له: «كلما اقتربت منك أحاول أن أعرف كيف تفكر، وأفك طلاسم قدرتك على الإدارة.. وهذه فوائد سأجنى ثمارها فى المستقبل».. ربما لأننى أتعامل مع المرموقين على أن ما أتعلمه منهم، هو الوديعة التى أدخرها للمستقبل فى قادم حياتى. ما كان فى سنوات الصمت، قاله الأستاذ «إبراهيم نافع» فى كتابه «أنا وقاضى التحقيق».. اللافت للنظر أنه صدر عن دار نشر تخشى على اسمها ومصداقيتها بما لا يتخيله عقل.. كتب كلاما مؤثرا يفجر فى الإنسان كل طاقات التعاطف معه.. شرح مواقف، وقدّم مستندات لأصحاب العقول، يمكنهم فهم الموضوع خلال القراءة.. والكتاب بكل ما فيه يحتاج إلى قراءة هادئة ومساحة أكبر بكثير من المتاحة لى فى هذا المكان.. لكن الدعابة مع الأستاذ - المؤلف - واجبة.. فهو القائل فى كتابه: «هؤلاء الناس قد نصبوا المشانق، وها هم يحاولون تنفيذ حكمهم الباطل بالإعدام، حتى من قبل أن يعثروا على التهمة المناسبة لك».. تلك كلمات تمثل مفتاحا للقضية بأسرها.. فالأستاذ «إبراهيم نافع» الذى كان ملء السمع والبصر على مدى نحو ربع قرن.. حقق نجاحات تحدّث عنها القاصى والدانى فى الأهرام.. هذا لا يعنينى.. فهو يمكن أن يكون موضع اختلاف.. لكننى كنت دائما أقول كيف نستطيع أن نشكك فى رجل انتخبته الجماهير لينجح بشكل ساحق، كنقيب للصحفيين 6 دورات؟!!.. أسئلتى كنت أطرحها على المحيطين حولى.. أعترف بأنه أصابتنى رجفة من الدفاع عن الرجل، من هول ما ينشر على أنه مستندات وحقائق وأرقام.. وأعترف بأننى وقعت أثيرا للرعب من أولئك الذين يصرخون فى وجه كل من يفكر بعقله.. ويشهد لى كل من حولى أننى لم أطعن فى إنجازات «إبراهيم نافع» الرئيس والنقيب.. وأؤكد أن لى ملاحظات سلبية على أسلوبه فى الإدارة وممارسة العمل النقابى.. لكن الخوف من عدم القدرة على توضيح وجهة نظرى جعلنى ألوذ بالصمت.. ربما لأننى لا أملك الموقع الذى يؤهلنى للدفاع عن الرجل.. لا أملك القدرة على التصدى لجيوش الأفكار العشوائية.. قد أكون تعرضت لحالة ضعف إنسانية شديدة، كتلك التى وجد نفسه فيها بعد أن غادر موقع المسؤولية. «إبراهيم نافع» ليس ملاكا.. ولا شيطانا.. تماما كما كان «محمد حسنين هيكل».. فإذا قلنا إن «هيكل» هو صاحب إنجاز بناء صرح الأهرام الحديث.. فهو نفسه الذى اختار كل القيادات الوسيطة التى أحاطت فيما بعد بالأستاذ «نافع» حتى لحظة مغادرته موقعه.. فالأساتذة: «سامى متولى» و«محمد باشا» و«عبدالوهاب مطاوع» و«سلامة أحمد سلامة» و«إحسان بكر» و«فاروق جويدة» و«فهمى هويدى» و«يوسف إدريس» و«صلاح الدين حافظ».. وغيرهم من العشرات الذين كانوا نجوما حول «نافع»، هم أنفسهم الذين اصطفاهم وعيّنهم «هيكل».. أى أن «إبراهيم نافع» مضى على درب «هيكل».. وأذكر أنه يوما - أى نافع - أطلعنى على رسالة من «هيكل»، مكتوبة بخط يده، فيها: «عزيزى إبراهيم.. لا النقيب ولا الرقيب»، كانت قد وصلته مشفوعة بما سيقوله الأستاذ «هيكل» فى نقابة الصحفيين، يوم أن قرر دخولها لأول مرة متحدثا عن كتابه «خريف الغضب».. أى أن الأستاذ «هيكل» لم يتحدث فى هذا اليوم خارج النص.. بل تحدث فى إطار النص الذى أرسله للأستاذ «إبراهيم نافع»!! كان الأستاذ «إبراهيم نافع» اختياراً وقراراً للأستاذ «محمد حسنين هيكل».. وكان نجم نجوم مرحلته.. بدليل أنه الوحيد الذى تمتع بميزة الحصول على إجازة دون راتب فى بعثة للبنك الدولى.. خلال تلك الفترة قال «هيكل» عن «نافع»: «فى الليلة الظلماء يُفتقد البدر».. والقول كان بمناسبة أزمة خلال البحث عن مانشيت للجريدة!!.. أى أن الأستاذ «إبراهيم نافع» كان الامتداد الطبيعى للأستاذ «محمد حسنين هيكل» - مع احترامى للذين فصلوا بين فترتيهما فى إدارة الأهرام - لكنه تحول إلى السلاح الذى حاولوا هدم الأهرام به.. مع أنه ومن اختاره كانا من الذين صنعوا نهضة الأهرام الحديثة. وللحديث بقية [email protected]