قرارات وتحركات أمريكية تمت في توقيت واحد. خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه أوباما في 28 يناير الماضي والذي وجه من خلاله تهديدات لإيران ليشرع بعدها في إيجاد أجواء مواجهة معها علي أرض الواقع من خلال نشره بوارج وسفن حربية قبالة السواحل الإيرانية ومن خلال نصب منظومة صواريخ باتريوت في أربع دول خليجية -البحرين، قطر، الإمارات، الكويت- وتزامن هذا مع إقرار مجلس الشيوخ بالإجماع مشروع قانون يجيز لأوباما فرض عقوبات علي إيران بعد أن كان مجلس النواب قد أقر قانوناً مماثلاً في سبتمبر من العام الماضي. * أمريكا وعقاب الصين..؟ بل إن توتر العلاقات مع الصين مؤخراً في أعقاب صفقة السلاح الأمريكية لتايوان (ستة مليارات وأربعمائة مليون دولار) كانت لها صلة بإيران، فلقد جاءت إمعاناً في معاقبة الصين لموقفها المعارض لفرض عقوبات جديدة علي إيران علي خلفية برنامجها النووي وهو ما حدا بوزيرة الخارجية الأمريكية إلي أن توجه لبكين تحذيراً علنيا بأن معارضتها للعقوبات تعكس ضيق أفق. أما نيويورك تايمز فلقد قالت إن عمليات نشر النظم الدفاعية تأتي للرد علي ما يقال من أن إيران تتحرك بسرعة نحو التحول لأن تكون أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط، وإن كل هذه الإجراءات التي تتخذها أمريكا إنما ترمي إلي إحباط أي تصعيد من جانب طهران ضد الغرب في حال فرض عقوبات جديدة عليها. * رسالة لمن يعنيه الأمر.. كل هذا الشحن من أجل إيران رغم أن برنامجها النووي مازال في الطور السلمي ولم يتحول إلي سلاح نووي بعد وبذلك يجري تسليط الضوء علي إيران بوصفها الخطر الأكبر علي دول المنطقة وليست إسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية تقدر ما بين 300-400 رأس نووي. ولهذا جاء نشر الأنظمة الدفاعية الصاروخية في دول خليجية كرسالة واضحة تقول إنها لصد أية هجمات صاروخية قادمة من إيران، وكخطوة استباقية لتسريع بيع صفقات السلاح الأمريكي للحلفاء الخليجيين حماية للمنشآت النفطية. * أمريكا وشحذ دول الخليج عملية شحن ممنسهجة تقوم بها إدارة أوباما لحفز دول الخليج علي تعبئة عسكرية ضخمة ضد إيران وهو ما حدا بالجنرال - ديفيد بترايوس- إلي أن يشيد العام الماضي بطيران الإمارات بوصفه لديه القدرة علي تدمير طيران إيران. وكأن أمريكا من خلال تحركاتها الأخيرة تقوم بتجهيز الأرضية لما قد يحدث فيما إذا قامت هي أو إسرائيل بقصف المنشآت النووية الإيرانية وتهيئة الأمور لصد أية هجمات إيرانية محتملة رداً علي آية عملية عسكرية تشن علي منشآت طهران النووية. * هل بات الخيار العسكري علي الأبواب؟ وهكذا بات الموضوع الأولي بالاهتمام اليوم بالنسبة لإدارة أوباما هو ملف إيران النووي. وبالتالي يتم التركيز عليه عبر أكثر من تحرك الأول يتمثل في إصرار أمريكا علي وجوب تشديد العقوبات علي إيران. الثاني يتجسد في اتصالات لتنسيق المواقف مع إسرائيل حول كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني من خلال زيارات لمسئولين أمنيين أمريكيين لإسرائيل. الثالث يتجلي في حشد دول الخليج واستنفارها لمرحلة قادمة قد يتم خلالها تبني الخيار العسكري ضد إيران وتجهيز الأرضي لاحتمال أي ردود فعل عسكرية من جانب طهران وذلك من خلال تسريع صفقات بيع السلاح إلي دول الخليج ونشر أمريكا لصواريخ باتريوت في الدول الخليجية الأربع ونشر سفن أمريكية قبالة السواحل الإيرانية. * دول الخليج وتحذير ناعم الجدير بالذكر أن كل التحركات الأمريكية التي تعاقبت في الفترة الأخيرة جاءت غداة التحذير الناعم الذي أطلقه "علي لارجاني" خلال زيارته للكويت وطالب فيه دول الخليج بألا تكون أراضيها منطلقاً للعدوان علي إيران ولا شك أن خطابه هذا قد انطوي علي ترغيب وترهيب وكأنه هنا يذكر دول الخليج بأن أمريكا اعتمدت في غزو العراق علي قواعدها العسكرية المتمركزة فيها وبالتالي يحذر بأن دول المنطقة لن تكون بمنأي عن أي عمل عسكري يستهدف إيران علي أساس أن ذلك سيواجه بضربات صاروخية انتقامية ولهذا أصابت الكويت مؤخرا عندما سارعت فأكدت بأنها لن تسمح لاحد بالانطلاق من اراضيها للعدوان علي أية دولة. * التنسيق الأمريكي الإسرائيلي ما يطفو علي السطح اليوم أن كلا من أمريكا واسرائيل تعملان بشكل مكثف علي تنسيق المواقف فيما بينهما من أجل تدمير القدرات العسكرية والقدرات النووية لإيران.. وفي هذا السبيل تعمل إدارة أوباما علي تعبئة دول الخليج ضد إيران بحيث أن كل التجهيزات التي تجري اليوم هي من اجل استهداف إيران وكأن امريكا بذلك تجمع العرب مع اسرائيل في خندق واحد غايته تسديد الضربة القاضية لإيران بوصفها العدو المشترك لكل الاطراف المعنية. * دعوة بلير المغلوطة..!! الغريب أن توني بلير وفي محاولة منه لتمييع التحقيق الذي أجري معه في ال 29 من الشهر الماضي أمام لجنة شيلكوت علي خلفية الحرب علي العراق عام ،2003 فلقد عمد إلي تسليط الضوء علي إيران مؤكدا بأنها أكثر خطرا من عراق صدام حسين وطالب الغرب بالتعامل معها بصورة أكثر شراسة وينسي بلير أن الغرب ممثلا في شخصه وشخص بوش هو الذي قدم المنطقة علي طبق من ذهب لإيران من خلال الحرب علي العراق، فإسقاط العراق من المعادلة فتح الأبواب علي مصراعيها أمام إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة. * ما الذي يهدد أمن المنطقة..؟ لقد بدا الآن ما يهدد المنطقة في الاساس هي أمريكا واسرائيل علي أساس انهما متحالفان استراتيجيا ومصالحهما مكملة لبعضها البعض وبالتالي قد ينتفي القول بأن إيران هي التي تشكل تهديدا لدول الخليج لاسيما أن الامن في المنطقة أمن مشترك للعرب وإيران، فلا يمكن لإيران أن تهدد المنطقة التي تعيش فيها علي أساس ان الجميع هنا في زورق واحد وبالتالي فإن إجراءات أمريكا في منطقة الخليج التي فرضت من خلالها أجواء الحرب هي التي تهدد العرب وإيران معا. * مد جسور الحوار هو الأسلم الصورة قاتمة للغاية والمرحلة المقبلة خطيرة ولهذا يتعين علي دول الخليج إلا تجازف هذه المرة بالاندفاع صوب نصائح أمريكا ورؤاها وعلي دول الخليج إحكام العقل وعدم الانسياق وراء ما تخطط له أمريكا لأنها ان فعلت ستدفع ثمنا فادحا، فهي التي ستضار وستتحول المنطقة إلي محرقة.. والضرر الذي سيلحق بدول الخليج سيكون اضعاف أضعاف الضرر الذي سيلحق بأمريكا.. ولعل الطريق الاسلم والانسب يتمثل في مد جسور الحوار بين العرب وإيران علي أساس أن أمن المنطقة هو شأن خاص بدولها.. ذلك أن التصعيد مع إيران وفق ما تريده أمريكا واسرائيل سيعم بالخسارة علي الجميع ولن يكون احد بمنأي عنه وعندئذ سيحترق الخليج بنيران الحرب المدمرة.