إذا كانت الإدارة الأمريكية ومبعوثها للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل تتوقع الانتهاء من مفاوضات السلام خلال عامين من إطلاقها فإن ذلك يتناقض تماما مع ما يقوم به الجيش الإسرائيلي هذه الأيام من تدريبات في المنطقة تستهدف انجاز خطة حربية كبيرة تنتهي بإعادة احتلال قطاع غزة. فهناك نقاش واسع يدور في الجيش الإسرائيلي حول الحرب القادمة ويبني بالأساس علي واقع أنه في حالة الحرب مع إيران، فإن هناك احتمالا بأن تنضم سوريا وحزب الله وحماس إلي الحرب بواسطة هجمات صاروخية، وفي هذا الإطار عاد الجيش الإسرائيلي لأساليب الحرب النفسية ضد أهالي القطاع، فقد ألقي منشورات في مناطق التماس تحذر المواطنين من الاقتراب من الجدار الحدودي الفاصل وضرورة عدم التعاون مع حركات المقاومة التي تحفر الأنفاق في المنطقة ولا يفهم من أين أتي التفاؤل للإدارة الأمريكية في امكانية انجاز السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وسط هذا الكم الكبير من العقبات والعوائق التي تحول دون ذلك، وربما تكون التحركات السياسية الجارية تبعث علي بعض التفاؤل إزاء فرص استئناف المفاوضات، لكن الجانب الفلسطيني يفضل الحذر عندما يتعلق الأمر برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فالمعلومات التي وصلت إلي الجانب الفلسطيني عن هذه التحركات ربما تكون أساسا لقليل من التفاؤل، وفي الوقت ذاته يجب عدم الافراط في هذا التفاؤل عندما يتعلق الأمر بنتنياهو. وعليه فقد يقبل الجانب الفلسطيني إزاء التحركات الدولية والعربية لدفع المفاوضات إلي قبول حل وسط إذا ما توافر فيه عنصر تجميد الاستيطان خاصة أن الوضع المقبل سيكون أصعب مما مضي، فعندما يدور الحديث عن لا عودة للمفاوضات إلا علي الشروط التي أعلنها الجانب الفلسطيني مرارا وتكرارا، وفي الوقت نفسه يبقي نتنياهو واقفا جانبا، سيكون هناك حراك وجهود دولية، وسيكون الفلسطينيون ملزمين أن يتخذوا قرارات صعبة، وفي هذه الحالة فإن كل الحلول الوسط تكون علي حساب كل الأطراف. ولم تأل إسرائيل جهدا في تكثيف حملتها الهجومية الشرسة ضد الفلسطينيين في كل الاتجاهات، فهي تشن حملة ضد الرئيس محمود عباس علي خلفية رفضه العودة للمفاوضات وفقا لشروط رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، وهي تبحث عن ثغرات صغيرة في موقف الرئيس عباس في محاولة لتجنيد ضغط دولي عليه، فوجدت السلطة أن من واجبها حماية نفسها وتحصين جبهتها فطالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بطرح أسس مبادرته المنتظرة لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي داعية إياه إلي تضمينها اعترافا بحدود الدولة الفلسطينية المستقلة. ومن جهتها فان إدارة الرئيس الأمريكي أوباما قررت إدارة مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول التسوية، وذلك للتغلب علي المشكلة التي تواجهها في الوقت الحاضر بسبب الرفض الإسرائيلي لوقف الاستيطان والتمسك الفلسطيني بهذا الشرط لاعادة إطلاق المفاوضات، والتي ستدار بنفس الطريقة التي أديرت بها المفاوضات الإسرائيلية - السورية في زمن الرئيس جورج بوش الأب في مطلع التسعينيات، غير أن رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير وكبير المفاوضين صائب عريقات نفي أن تكون هذه المسألة مطروحة، غير أن عريقات ألمح إلي وجود جهود عربية من طرف مصر والسعودية والأردن وقطر والإمارات تبذل لاقناع الإدارة الأمريكية بأن الوقت قد حان لهذه الإدارة كي تطرح مبادئ الحل النهائي علي أساس الدولتين، وفق حدود 4 يونية لعام 1967. وعلي الجانب الآخر فإن جماعات ناشطي السلام والمعاهد الفكرية الداعمة لإسرائيل في واشنطن مثل معهد "جي ستريت" و"الأمريكيون للسلام الآن" تكثف جهودها للضغط علي إسرائيل لانتهاز فرصة التوصل إلي اتفاق سلام إذ تري أن علي إسرائيل أن تعي أن حل الدولتين بات في الانعاش، والوقت قد حان لاتخاذ قرارات صعبة لانهاء الاحتلال وهي نفس الجملة المأثورة التي تتردد علي السان صائب عريقات هذه الأيام وهو يقول: "ان الوقت الآن بحاجة إلي قرارات وليس مفاوضات" لقد قرر ميتشل وفريقه إدارة هذه المفاوضات، وفي جولته القادمة إلي المنطقة التي ستبدأ في منتصف الشهر الجاري سيحاول الاتفاق مع الطرفين علي آلية التفاوض، وقد يقترح إجراءها في مكان واحد بين وفدين إسرائيلي وفلسطيني، أو سيردها في جولات مكثفة بين القدس ورام الله، ويعود السبب في هذا التوجه الجديد للاحباط السائد في البيت الأبيض من الطرفين، فالرئيس أوباما منزعج من الطرفين علي السواء، ويري أن إسرائيل لا تساعد علي إجراء مفاوضات مباشرة بمشاريعها الاستيطانية المكثفة، والسلطة الفلسطينية لا تساعد علي استئناف المفاوضات بسبب شروطها المسبقة لتجميد الاستيطان بالكامل، غير أن الشروط الفلسطينية حق مشروع يجافي حقيقة المطالب الإسرائيلية المغرضة والتي أساسها إجهاض السلام!.