عندما تزعم الحكومة بأن السوق تعمل وفقا لآليات الاقتصاد الحر، الذي تتحدد فيه الأسعار بناء علي آلية العرض والطلب، فكيف يمكن أن تنخفض أسعار معظم السلع علي المستوي العالمي، ولا تحدث استجابة لتلك الانخفاضات المتتالية في السوق المحلية خاصة مع التراجع في أسعار الدولار وتأثيره المتوقع علي الاستيراد حيث إن مصر دولة "مستوردة صافية" الامر اذن يؤكد وجود احتكار في بعض السلع، أو اتفاق التجار في سلع اخري في ظل غياب أي دور رقابي قوي للحكومة علي الاسواق، بزعم ان السوق سوف تضبط نفسها بنفسها، وهذا مبدأ ثبت فشله. فمنذ منتصف العام المنصرم بدأ شبح الازمة المالية العالمية علي كل الاقتصادات، وقامت الدول المتقدمة بمحاولات للحفاظ علي القوي الشرائية للمستهلكين ولدعم الصناعات، في حين اننا في مصر نؤكد اننا بمنأي عن تلك الازمة، التي من المفترض ان يستفيد منها المستهلك بشكل أوضح، حيث تنعكس تلك الانخفاضات العالمية علي السلع الوسيطة التي يتم استيرادها، وبالتالي تباع المنتجات النهائية محلية الصنع بسعر اقل لكن ما يحدث هو أن فرق الأسعار لا يذهب إلي جيوب المستهلكين بل يذهب إلي جيوب المنتجين والتجار والوسطاء، وتصبح السوق المصرية بمعزل عما يحدث في الأسواق العالمية. ويحدث ذلك في كل السلع تقريبا، بدءا من السلع الغذائية، مرورا بالسلع الكهربائية والحديد والاسمنت وحتي السيارات وهنا توضح الدكتورة يمن الحماقي استاذ الاقتصاد وعضو مجلس الشوري أن هذه القضية تمثل مشكلة تتم مناقشتها بشكل مستمر في مجلس الشوري، حتي في اللجان المتخصصة داخل الحزب الوطني والتفسير الاقتصادي لتلك القضية هو أن السوق المصري سوق غير كفء، أ ي لا تحدث داخله استجابة سريعة للانخفاض في الأسعار العالمية، وذلك لمتغيرات كثيرة، أهمها عدم نشر المعلومات عن السوق بدرجة كافية، وكذلك نقص جمعيات حماية حقوق المستهلك، حيث إن نشر المعلومات يؤدي إلي إحجام المستهلكين عن الشراء اذا كان السعر اغلي مما هو معلن، ويحدث تكاتف بين المستهلكين، الامر الذي يمثل ضغطا علي المنتج والتاجر، وتسعي الغرف التجارية للوصول إلي آلية تستطيع ان تنشر بها أسعار السلع. وليس بخفي عن احد تعنت التجار، وقد حدث ذلك عندما اجتمع المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة مع اعضاء الغرفة التجارية بالاسكندرية وكان هناك سلوك عام عبر عنه أحدهم بالقول: نخسر ولا نخفض الأسعار. ويمكن أن يحدث احتكار في مرحلة تجارة الجملة من جانب قلة، ويكون هناك فرق كبير بين سعر الجملة والتجزئة، وهو ما حدث في الارز عندما تم منع تصديره للحفاظ علي سعره محليا، حيث وجد في منافذ بيع الارز ان سعر الجملة كان 280 قرشا، في حين كان يباع التجزئة ب 450 قرشا، وهو ما يعني أن الموزعين الكبار هم المتحكرون وقد تحدث الاحتكارات في تجارة الجملة أو التجزئة. وتعتقد الدكتورة يمن أن هذه الامور ستحل قريبا، خاصة بعد صدور القرار الجمهوري اخيرا بتنظيم التجارة الداخلية، حيث تم انشاء جهاز هو الذي سيتولي تنظيم التجارة الداخلية وفيه سيكون المطور التجاري، وهنا تؤكد أن العيب ليس في نظام السوق الحر، لكن العيب في عدم كفاءة السوق. أما الدكتور حمدي عبدالعظيم، أستاذ الاقتصاد وعميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية الاسبق، فيري أنه اذا كنا في مصر نعمل وفق النظام الاقتصادي الحر، فإنه لابد أن تنعكس تلك الانخفاضات المتتالية في أسعار السلع علي أسعار نظيرتها في مصر، لكن هناك احتكارا بنسب متفاوتة. فبالنسبة للحديد يوجد احتكار يتحكم في الانتاج أو في مستوي المعروض منه، بحيث يحافظ علي مستوي سعر مرتفع، مبررا ذلك بأن خام حديد البليت وهو المادة الاساسية في صناعة الحديد تم شراؤه بأسعار مرتفعة قبل انخفاض السعر عالميا، وأنه بعد الانتهاء من تلك الخامات، وشراء مخزون بالأسعار المنخفضة يمكن أن ينعكس ذلك علي أسعار الحديد. لكنه يرجع ذلك إلي عدم وجود رقابة كافية علي الاسواق، وتقتصر أدوار الرقابة علي الغش التجاري فقط، الامر الذي يجعل التجار يبالغون في هامش الارباح، وفي هذه الحالة تكون هناك زيادة مضاعفة من جانب المنتجين والتجار. ونفس الشيء بالنسبة لصناعة السيارات، فمازالت الأسعار مرتفعة نتيجة احتكار القلة، حيث إن عدد الشركات المجمعة للسيارات قليل ولا تغطي احتياجات السوق المحلية، هذا بالاضافة إلي رسوم التنمية وضرائب المبيعات، وكذلك الرسوم الجمركية علي السيارات المستوردة، الامر الذي يجعل الأسعار في السوق المحلية اعلي من نظيراتها في الاسواق الخارجية.