سلط حادث القطار الأخير في العياط الضوء مجددا علي الأوضاع والمشكلات المزمنة في منظومة السكك الحديدية والتي تؤدي لوقوع حوادث مروعة، من وقت لآخر، وقد ثار جدل حاد حول مسئولية وزير النقل عن الحادث، وما إذا كانت استقالته ضرورية أم لا؟ ورأينا أن الإطار الأساسي الصحيح للموضوع يتعلق بمستوي تحقيق أو غياب معايير الجودة الشاملة في مختلف مراحل عملية إدارة مرفق السكك الحديدية. فإذا كانت حوادث السكة الحديد بمصر تتكرر بين حين وآخر كما أن حوادث الطرق العامة والمرور أكثر تكرارا وأشد وطأة وخطورة مقيسة بعدد الوفيات والإصابات فضلا عن أن الاحصاءات تثبت أن 6% من مجموع حوادث الطرق بالعالم تتركز في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبصفة خاصة في مصر وفي المملكة العربية السعودية. وإذا كانت حوادث السكة الحديد بالذات تسفر عادة في مصر عن استقالة وزراء النقل فليس ذلك علاجا ناجعا اطلاقا لأسباب المشكلة، والتي ترتبط اساسا بالقصور علي المستوي القومي في التشخيص الموضوعي لأسباب المشاكل وللحوادث، وللقصور في استراتيجيات العلاج الفعالة اللازمة فيما يوضع من خطط وبرامج.. ولما كانت وزارة التنمية الاقتصادية بمصر يقصر دورها بالنسبة للجهات الخاضعة لقانون الموازنة العامة علي الاستثمارات دون النشاط الجاري ومتطلباته من قطع غيار ومستلزمات لتأمين الصيانة الوقائية وللاستغلال الأمثل لما يضاف من استثمارات ولذلك تصدر موازنة الأنشطة الجارية في الحكومة وفي المصالح التابعة لها وفي المحافظات وما يتبعها من مديريات في المجالات المختلفة، وفي الهيئات الخدمية كالهيئة العامة للطرق وهيئة تخطيط مشروعات النقل، وفي الهيئات الاقتصادية كهيئة السكة الحديد دون دراسة تشخيصية عينية من وزارة التنمية الاقتصادية مع وزارة المالية بالاشتراك مع أجهزة الدولة المختصة وذلك من خلال لجان الموازنة التي نص عليها قانون الموازنة العامة للدولة ولائحته التنفيذية.. وهذا بالرغم من الأهمية الكبيرة لتحقيق الجودة الشاملة في النشاط الجاري لأجهزة الدولة المعنية، ولعلاج المعوقات والمشكلات السائدة، وتبعا لإمكان تبني البرامج العينية اللازمة لعلاج أسبابها ولتعظيم منافع المواطنين من ناحية، ولتوفير مقومات الاستغلال الأمثل لما يضاف من استثمارات بدلا من إهدارها نتيجة قصور مقومات الصيانة الوقائية اللازمة لها، ولتحقيق الاستغلال الأمثل للأصول الثابتة المتاحة. وإذا كانت المادة الأولي من قانون الموازنة العامة للدولة تنص علي أن الموازنة العامة للدولة هي البرنامج المالي للخطة، وإذا لم تكن ثمة برامج عينية للأنشطة الجارية مستندة لدراسات تشخيصية لجوانب القصور وما تسببه من مشاكل أو حوادث سواء بالنسبة لمدي حيوية وخبرة العنصر البشري في ضوء ما ثبت دوليا أنه قاعدة الأساس في أي إصلاح جاد أو بالنسبة للمستلزمات التي تحقق فعالية النشاط الجاري.. وتبعا لذلك عدم تحديد متطلبات تنفيذ برامج الإصلاح والعلاج من المدخلات العينية والبشرية المختلفة "بالنسبة للوزارات أو للمحافظات أو للهيئات الخدمية الاقتصادية".. ويترتب علي ما تقدم قصور في تحديد واضح للنتائج العينية المستهدفة ولمتطلبات الارتقاء بجودة ما يقدم من خدمات عامة ودورها في تعظيم منافع المواطنين ولتجنب ما يتكرر من حوادث. وقد ترتب ما تقدم علي قصور في بناء التخطيط المالي الموازنات المتعلقة بالنشاط الجاري للدولة علي المساومة المالية مع الجهات التابعة للحكومة في الايرادات والمصروفات، دون الغوص اطلاقا في الجدوي الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والبيئية والاستراتيجية للبرامج العينية المرتبطة بالنشاط الجاري وما يترتب علي ذلك من تكرار للمشاكل وللحوادث فضلا عن الآثار السلبية علي التنمية المستدامة.. وبالمثل اقتصار متابعة وزارة المالية علي مدار السنة المالية علي الجانب المالي للايرادات والمصروفات وفقا للأساس النقدي وليس وفقا لأساس الاستحقاق.. فضلا عن القصور الكبير في المتابعة العينية للأنشطة ولمؤشرات الأداء اللازمة لقياس مدي التقدم أو التخلف في تحقيق النتائج العينية المستهدفة خاصة من النشاط الجاري للدولة. وذلك بالإضافة إلي القصور في ربط الحوافز أو الزيادات السنوية في الأجور بمؤشرات أداء لقياس مدي التقدم أو التخلف في تحقيق النتائج المستهدفة علي مستوي كل من مراكز المسئولية.ل