عندما ترتفع أسعار السلع الاستراتيجية عالميا يتأثر المستهلك المصري نظرا لاعتماد الاقتصاد المصري بدرجة كبيرة علي الواردات.. وتتحرك وزارة التجارة والصناعة لمواجهة تلك الأزمات إما بمنع الصادرات كما حدث في أزمة ارتفاع أسعار الأسمنت أو الأرز أو بتيسير الواردات كما حدث في أزمة ارتفاع أسعار السكر.. ولكل قرار من هذه القرارات تأثيراته السلبية إما علي المصدرين أو التجار أو الفلاحين.. وبينما يشكو هذا الفريق من سياسات وزارة التجارة والصناعة المقيدة للتصدير يشكو المواطن أيضا من تأخر الحكومة في التحرك لمعالجة الأزمات ويبقي السؤال: هل تدير الحكومة المصرية الأزمات بفكر علمي أم أنها تتحرك بعد نشوب الأزمة لإطفاء الحرائق؟! أزمة السكر أحدث مثال علي الأزمات التي تواجه الاقتصاد المصري بسبب ارتفاع الأسعار العالمية وكان رد فعل وزارة التجارة والصناعة تجاهها هو رفع الجمارك عن واردات السكر لتيسير الاستيراد وخفض تكلفته من أجل توفيره في السوق المحلي بأسعار أقل، وقد يبدو للبعض أن الحكومة قامت بواجبها وأن الأزمة سببها ارتفاع الأسعار العالمية وهو أمر لا تستطيع الحكومة أن تتحكم فيه إلا أن عمرو عصفور نائب رئيس شعبة البقالة بالغرفة التجارية بالقاهرة قال لنا أن هذه الأزمة تكررت مرتين خلال السنوات العشر الأخيرة وكان من الممكن تجنبها إذا حققنا الاكتفاء الذاتي أو نسبة معقولة في إنتاج السكر، حيث يشير عصفور إلي إن تأثر الاقتصاد المصري بأسعار السكر العالمية يعود إلي اعتماده علي الاستيراد موضحا أن مصر تستهلك سنويا 2.8 مليون طن سكر وتنتج 1.7 مليون طن مما يعني أن لدينا عجزا 1.1 مليون طن. ويعتمد الاقتصاد المصري بدرجة كبيرة علي استيراد السكر من البرازيل والهند وبسبب ظروف طارئة علي الاقتصاد الهندي تحولت إلي دولة مستوردة للسكر مما رفع سعر الطن عالميا من 470 دولارا إلي حوالي 680 دولارا، ويشير عصفور إلي أنه مع حدوث أزمة مشابهة في أسعار السكر منذ بضعة سنوات نادي التجار بالاتجاه لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر بزيادة الرقعة الزراعية من البنجر وقسب السكر وهو الأمر الذي كان سيحمي الاقتصاد المصري من أزمة أسعار السكر التي شهدناها هذا العام إذا استجابت الحكومة لهذه النداءات. مؤكدا أن الاكتفاء الذاتي من السكر من الممكن أن يتحقق خلال أربع سنوات فقط. تدخل مرفوض فيما يشير أشرف الجزايرلي عضو مجلس إدارة غرفة المجلس التصديري للصناعات الغذائية إلي أن تدخل وزارة التجارة والصناعة في أزمات ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية بطريقة متعارضة مع آليات السوق الحر يتسبب في آثار سلبية علي الاقتصاد، حيث يشير إلي تدخل الوزارة بمعالجة أزمة ارتفاع أسعار الأرز في الفترة الأخيرة من خلال حظر صادرات الأرز -حيث صدر قرار بحظر صادراته حتي أول أكتوبر 2009 وتم مده حتي أول أكتوبر 2010- كانت له انعكاسات سلبية علي مزارعي الأرز الذين انخفضت أسعار محاصيلهم إلي 800 أو 900 جنيه للطن بينما السعر العادل لها هو 1500 جنيه للطن معتبرا أنه من الضروري أن تكون هناك استراتيجية واضحة وثابتة لزراعة الأرز في مصر تتماشي مع آليات السوق وفي نفس الوقت تحافظ علي مصالح الاقتصاد القومي فمن ناحية تستطيع الحكومة أن تترك حركة تجارة الأرز تسير بشكل طبيعي وتقدم الأرز مدعما للمواطنين المستحقين للدعم، ومن جهة أخري إذا كانت الحكومة تريد أن تقلل من المساحات المزروعة من الأرز بسبب استهلاكه للمياه فتستطيع أن تطبق هذه الرؤية من خلال استراتيجية زراعية تنفذها وزارتي الزراعة والري. ويلفت إلي أن تطبيق قرارات حظر التصدير بدون مراعاة الخسائر المترتبة علي الفلاحين من وراء ذلك يتسبب في هروب الفلاحين من زراعة بعض القطاعات وقلة الانتاج فيها مما يفتح الباب للممارسات الاحتكارية. مسئولية البرلمان وكانت أزمة ارتفاع أسعار الأسمنت نموذجا ثالثا علي أزمات ارتفاع الأسعار وطريقة مواجهة الحكومة المصرية لها، حيث قامت الحكومة بحظر صادرات الأسمنت خلال العام الماضي الذي شهد ارتفاعا في أسعار تلك السلعة وساهمت سياسات الحكومة لضبط سوق الاسمنت في استقرار أسعاره في الوقت الحالي.