كانت المنافسة علي استضافة دورة الألعاب الأولمبية عام 2016 بالغة الضراوة بين أربع مدن، هي طوكيو اليابانية ومدريد الإسبانية وشيكاغو الأمريكية وريودي جانيرو البرازيلية. وعلي مدار عشرة أيام شهدت العاصمة الدانماركية، كوبنهاجن، صراعا عنيفا بين الأطراف الأربعة علي كسب أكبر عدد ممكن من 115 صوتا تمثل إجمالي أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية. واتخذ التصويت مساراً درامياً مثيراً. ففي الجولة الأولي تفوقت مدريد وحصلت علي المركز الأول، تلتها "ريو"، ثم طوكيو، بينما احتلت شيكاغو المركز الرابع والأخير. لكن حصول مدريد علي المركز الأول لم يؤهلها للفوز بشرف تنظيم أولمبياد 2016 لأنها لم تحصل علي النصاب القانوني من الأصوات.. فكان لابد من جولة ثانية. وفي هذه الجولة الثانية حدث تحول كبير لصالح "ريو" بعد خروج شيكاغو من السباق.. وكادت المدينة البرازيلية أن تفعلها وتحسم المعركة في المحطة الثانية من السباق. لكن تصدرها للمدن الثلاث المتبقية في الحلبة كان يعوزه استيفاء النصاب القانوني المطلوب أيضاً.. فذهب الجميع إلي جولة ثالثة حاسمة بعد إقصاء طوكيو في الجولة الثانية وشيكاغو في الجولة الأولي. وأصبحت الساحة حكراً علي "ريو" و"مدريد". وفي الجولة الثالثة فعلتها ريو التي تقدمت بفارق كبير.. لتصبح البرازيل أول دولة في أمريكا الجنوبية تستضيف الأولمبياد. *** وليس المقصود في هذا المقال الحديث في الرياضة، وإنما الهدف هو استخلاص بعض الدروس التي قد تكون مفيدة لنا رغم أن مصر لم تكن مشاركة في سباق الأولمبياد. *** وأول ما يلفت النظر هو أن التقدم في الجولة الأولي في هذه الانتخابات لا يعني بالضرورة الحفاظ علي هذا التقدم في الجولات التالية.. بدليل أن مدريد كانت متصدرة للمشهد في الجولة الأولي لكنها خسرت الرهان في الجولة الأخيرة. وهذا ما لم نفهمه نحن أثناء متابعتنا لانتخابات اليونسكو حيث هللنا لحصول المرشح المصري، الفنان فاروق حسني، علي المركز الأول.. ثم عندما خسر الجولة الأخيرة أمام المرشحة البلغارية ذرفنا الدموع وألقينا مسئولية الهزيمة علي "مؤامرة" أمريكية - أوروبية - صهيونية، في حين أن المسألة هي ببساطة حسابات وتكتيكات انتخابية. *** ثانيا - ليس صحيحاً أن أمريكا قادرة علي كل شيء، أو أنها تقول للشئ كن فيكون، فها هي تخفق في الحصول علي أغلبية الأصوات التي تؤهلها لاستضافة الأولمبياد، رغم الاهتمام الكبير الذي أولته الادارة الأمريكية للفوز بهذا الشرف العظيم، لدرجة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ذهب بنفسه إلي كوبنهاجن خصيصا هو وزوجته لدعم فرص شيكاغو لاستضافة الألعاب الأولمبية. *** ثالثا - رغم وزن الرئيس الأمريكي أوباما، وثقل بلاده التي هي القوة الأعظم في العالم بأسره، والكاريزما الخاصة الملازمة لشخصه، فإن المدينةالأمريكية التي جاء من وراء المحيط ليناصرها تم استبعادها بين المدن الأربع المرشحة فيما وصفته وكالة الأنباء الفرنسية بأنه يشبه "أول خسارة انتخابية كبيرة لأوباما منذ تعيينه رئيسا". لكن أوباما قبل الخسارة بروح رياضية، لم يرغم ويزيد، ويتحدث عن "خيانة" و"طعن في الظهر"، ومؤامرة كونية ضده وضد بلاده، بل إنه قام علي الفور بتهنئة مدينة ريو دي جانيرو والبرازيل واعتبر فوز مدينة لاتينية لأول مرة بتنظيم الألعاب الأولمبية "حدثا تاريخيا" و"دليلا قاطعا علي حدوث تقدم" في العالم. وقال لدي عودته إلي واشنطن إن "من أكثر الأمور القيمة في الرياضة برأيي أن بإمكانك أن تخوض مباراة رائعة دون أن تربح، وهكذا ورغم انني كنت أفضل أن د.عود من كوبنهاجن حاملين أخبارا أفضل، فإنه لا يسعني سوي أن أعبر عن مزيد من الاعتزاز مما أنا عليه بمدينتي شيكاغو". وصدر بيان عن البيت الأبيض يقول ببساطة إن خسارة شيكاغو لا تعني بأي حال من الأحوال "صفعة لأوباما" ولا تنكرا لجهود الرئيس أو السيدة الأولي التي وصلت إلي كوبنهاجن قبل يومين من زوجها. وكانت فحوي هذا التصريح واضحة، ألا وهي قطع الطريق أمام محاولات الاستغلال السياسي المحتمل لهذا الحدث غير السياسي في جوهره، ولذلك ركز البيان علي "الآليات الداخلية" التي تحكم عمل اللجنة الأولمبية الدولية والتي تجعل النتيجة غير متوقعة لانتخاباتها.