تمتليء الصحف بالدعاية حول أهمية استقدام روءس الأموال الأجنبية والدور الذي يمكن أن نقوم به في التنمية الاقتصادية في مصر وتنوه بأهمية دورها في نقل التكنولوجيا لكننا في التطبيق الفعلي بأن رءوس الاموال الاجنبية استأثرت بالصناعات ذات التكنولوجيا التي لم تتطور منذ نصف قرن كالاسمنت التي تحقق ارباحا تزيد علي اضعاف تكلفة الانتاج وتحول للخارج مئات الملايين من الدولارات سنويا كما استأثرت بالسلع الاستهلاكية كالمشروبات الغازية أما في الصناعات المهمة لمجمل الهيكل الانتاجي فإن أول شركة تمت خصخصتها وبيعها للاجانب كانت شركة المراجل التجارية وتلك تم تفكيكها وبيع معداتها بالمزاد العلني ام الاستثمارات التي تحتوي علي تكنولوجيا كصناعة السيارات فإن ما تم نقله إلي مصر هو عمليات التجميع وكذلك عمليات التعبئة بالنسبة لصناعات الادوية وهكذا دواليك. والسؤال الذي يفرض نفسه هو هل يحتاج نمط التنمية الانتاجية في مصر حاليا إلي تكنولوجيا متقدمة أم أن نمط التنمية الحالي لا يحتاج إلي جهد تكنولوجي وأنه لا ينتج عنه إلا تسليم السوق المحلي للانتاج الاجنبي الذي يتم تجمعيه وتبعئته تحت مسميات شركات يقال إنها شركات مصرية وهي في حقيقتها توكيلات أو شركات تابعة للشركات الدولية في البلاد المتقدمة صناعيا؟ وبما أن الاجابة الاخيرة هي الصحيحة فليس من الغريب هجرة العلماء المصريين إلي الخارج ويقدر دارسو العلوم والعلماء المصريون المهاجرون إلي بلاد الغرب بحوالي مائة وخمسين ألف عالم! فالمعوقات التي تواجه الانتاج العلمي في مصر متعددة أولها الاهمال الناتج من أن نمط التنمية في مصر لا يحتاج لجهد العلماء وهذا بالتبعية أوجد حالة سواء من الاحباط أو التعويق الناتج من هذا المناخ ولعلنا طالعنا اخبار السرقات العلمية التي نشرتها الصحف التي يجد انتشارها تفسيره في حقيقة أن البحث العلمي لا يستهدف توسيع دائرة المعرفة أو التطبيق العملي الانتاجي لها بل يستهدف الترقية الوظيفية في المؤسسات العلمية أو الجامعات. كم من الابحاث العلمية وتطبيقاتها التكنولوجيا تتم في مصر ويجري اهمالها ولعلنا نعلم أن هذه الابحاث أو بعضها يتم بيعها للشركات الاجنبية بملاليم ولعلكم قرأتم الاعلان الذي نشر مؤخرا في جريدة يومية عن جوائز تعرضها شركة اجنبية لشراء الابحاث العلمية، وتمنح جوائز لأحسن ورقتين بحثيتين، قدرها ثلاثة آلاف جنيه للأولي وألفاين وخمسائة جنيه للثانية أما أحسن رسالتي دكتوراه فالأولي ثلاثة آلاف وخمسائة جنيه وللثانية ألفان وخمسائة جنيه أما رسائل الماجسيتر فالأولي ألفان وخسمائة جنيه وللثانية ألفان من الجنيهات!! وتشترط الشركة أن الانتاج العلمي يجب أن يمثل اضافة علمية جديدة وأن يكون ذا مردود تطبيقي ملموس والاوراق البحثية يجب أن تكون منشورة في إحدي الدوريات العلمية المعترف بها ورسائل الدكتوراه والماجستير معتمدة من إحدي الجامعات المصرية!! يابلاش !! العلم في مصر ليس عليه طلب وسعره رخيص البعض يتصور أن تقل التكنولوجيا يلزم له الاستعانة بالاجانب والشركات الاجنبية وأن ندفع لهم المبالغ الطائلة بل نوافق علي شروط استثمار لا ينتج عنها إلا تسليم السوق المحلي لهذه الشركات ذلك لأننا لا نقوم بأول واجباتنا في نقل التكنولوجيا قبل اللجوء إلي الاجنبي. ولعل من انشط الواجبات معالجة الجانب التكنولوجي في انتاج أي سلعة بما يسمي الهندسة العكسية فما الصعوبة في الحصول علي المعلومات العلمية التي تخص أي مادة أو سلعة هندسية؟ وما الصعوبة في النقل عن طريق الإنترنت لصورة من كل براءة اختراع يخص موضوع البحث؟ وما الصعوبة في دراسة هذه البراءات للتحقق من صدق ما قيل ورسم جداول التجارب للتحقق من تأثير أي عامل يؤثر علي العملية الانتاجية؟ ولعل في هذه الدراسات والتجارب ما ينتج عنه طريقة جديدة تمثل مساهمتنا الخاصة في انتاج السلعة أو جزء منها. قبل أن نقوم بهذا الجهد فإننا نطلب شراء التكنولوجيا من الاجنبي وفي هذه الحالة فإنه لا يبيع لنا إلا جهلنا وصدقوني.. الجهل هو اغلي سلعة نشتريها لقد انضمت مصر إلي اتفاقيات حماية الملكية الفكرية والعلمية، فلماذا لا تتمسك بشروط تتيحها هذه الاتفاقيات التي تجعل الاستخدام المحلي لهذه البراءات شرطا لتسجيلها؟ ولماذا تقبل محاولات الشركات الاجنبية لاطالة زمن حماية البراءة خاصة بالنسبة للادوية المطلوبة علي نطاق شعبي لعلاج الامراض واسعة الانتشار؟