المتتبع لمسار التضخم في مصر يري فيه نموذجا لتذبذب الاقتصاد العالمي في الفترة الأخيرة بين صعود فلكي في الأسعار وانخفاض حاد علي ايقاع كارثة الأزمة المالية العالمية.. فإلي أين يصل التضخم في مصر بعد أن وصل إلي 11،6% مارس الماضي هل يستمر في الانخفاض حتي معدلات بالغة التدني في ظل هيمنة حالة الكساد علي الاقتصاد العالمي أم يتجمد علي المعدلات الحالية في ظل تمسك التجار بعدم تخفيض الأسعار؟ في البداية يشير ولاء حازم نائب رئيس إدارة الأصول بشركة "اتش سي" إلي أنه علي الرغم من الانخفاض الكبير الذي تشهده الأسواق العالمية في أسعار السلع إلا أن هناك عناصر ضاغطة في الاقتصاد المصري والعالمي تحد من انخفاض التضخم، فمن ناحية أسعار النفط عالميا بدأت تتماسك في الفترة الأخيرة وهناك احتمالات بأن تشهد صعودا في الفترة القادمة، ومن جهة أخري علي المستوي المحلي فهناك انخفاض في معدلات الاستثمار الأجنبي وايرادات قناة السويس مما يسهم في تقص العملة الأجنبية ورفع معدلات التضخم في مصر، متوقعا أن يكون معدل التضخم علي مدار العام الحالي في حدود 8 إلي 9%. وتقول سالي ميخائيل محلل مالي أول بشركة النعيم إلي أن التضخم في مصر كان قد وصل إلي معدلات مرتفعة للغاية العام الماضي حيث وصل في أغسطس 2008 إلي 23% ثم شهد انخفاضا تدريجيا حتي وصل إلي 11،6% في مارس الماضي، متوقعة أن يكون معدل التضخم هذا العام في حدود 9 أو 10% وسيكون متوسط العام المالي الحالي في حدود 12 أو 15% في أحسن الاحوال. كساد عالمي وتوضح أنه علي مستوي الاقتصاد العالمي فلا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك كسادا في اقتصاد العالم وهو ما ساهم في خفض أسعار المواد الخام بشكل كبير وتخفيض الطاقة الصناعية في العديد من القطاعات وكذلك تخفيض أسعار المنتجات النهائية بمعدلات كبيرة لتصريف المخزون، إلا أنه علي المستوي المحلي فتصف الأسعار بأنها "لزجة" وهو اصطلاح اقتصادي يطلق علي الأسواق التي تكون تغيرات أسعارها بطيئة وغير متماشية مع تطورات الاقتصاد العالمي، لافتة إلي أنه علي الرغم من أن أداء العديد من الشركات في السوق المصري كان سلبيا في الربع الأول من العام الحالي باستثناء بعض القطاعات التي لم تتأثر بالأزمة العالمية بشكل كبير كقطاعي الاتصالات والبنوك، وعلي الرغم أيضا من انخفاض أسعار المواد الخام عالميا إلا أن العديد من المنتجات النهائية في السوق المصري لم تشهد تغيرا في الأسعار يعكس هذه التغييرات ولازال معدل التضخم المصري فوق 10% وهو معدل مرتفع. وتلفت إلي أن المنتجات المرتبطة تسعيرها بأسعار السوق العالمي كالبتروكيماويات علي سبيل المثال شهدت انخفاضا في الأسعار مع تنامي ظاهرة الكساد العالمي في الفترة الماضية، بينما السلع المرتبطة بالسوق المحلي كالأغذية لم تشهد الانفخاض الذي كان من المفترض أن تحققه في هذه الفترة، كذلك تلاحظ ااستمرار ارتفاع أسعار الأسمنت علي الرغم من أنه يعتمد علي مواد خام محلية. وتفسر "لزاجة" الأسعار المصرية بأنها قد تعود في بعض الحالات إلي توقع العديد من التجار إلي أن الأزمة المالية ستكون قصيرة المدي حوالي 6 أشهر لذا ارتأواما عدم تحريك الأسعار، لذا تتوقع أن يستوعب التجار عدم صحة هذا الرأي بنهاية عام 2009 ويتجهوا إلي تخفيض الأسعار مما سيؤدي لتخفيض التضخم في هذه الفترة ويصل للمعدلات "الآمنة" والتي تتراوح في رأيها بين 7% إلي 9%. وعن توقعاتها لمستقبل الأسعار عالميا تري سالي ميخائيل أن الأسعار عالميا وصلت إلي "القاع" وعلي الرغم من إعلان افلاس 3 بنوك أمريكية مؤخرا إلا أن وضع الاقتصاد العالمي لم يعد تصعيديا في اتجاه الانهيار كما كان سابقا مما يعكس مؤشرات ايجابية للسوق ويجعل الأسعار في مستوي استقرار مما يعطيها الفرصة إلي أن تعود للارتفاع في المستقبل مشيرة إلي أن عام 2010 قد يشهد ارتفاع الأسعار عالميا من جديد ولكن ليس بمعدلات عام 2008 لأن أسعار 2008 كانت أسعار "فقاعية" لا تعكس الواقع. عوامل حسابية وتري ريهام الدسوقي كبير الاقتصاديين ببلتون فاينشانشال أن انخفاض التضخم في مصر خلال الأشهر الماضية يعود إلي عوامل حسابية بالدرجة الأولي حيث إن الارقام القياسية العام الماضي كانت مرتفعة للغاية لذا عند مقارنة التضخم في 2009 ببيانات 2008 يظهر التضخم في العام الحالي بمعدلات أقل، إلا أن الواقع أن الأسعار لم تنخفض بشكل كبير علي الرغم من انخفاضها عالميا وذلك نظرا إلي استمرار الطلب القوي خاصة علي السلع الغذائية مما مكن التجار من الحفاظ علي مستويات أسعارهم بدرجة كبيرة. وتشير إلي أن ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية خلال الأشهر الماضية يعود إلي عوامل عدة منها الاقبال القوي علي الخضراوات والفواكه بسبب موسم الأعياد الدينية علاوة علي ارتفاع أسعار منتجات الألبان علي الرغم من المنافسة السعرية للألبان المستوردة وذلك بسبب مطالبة منتجي الألبان بالحصول علي دعم من الدولة للحماية من هذه المنافسة، كما أشارت إلي استمرار ارتفاع أسعار مواد البناء بسبب قوة الطلب عليها في السوق المحلي. وتتوقع الدسوقي أن يستمر معدل التضخم في الانخفاض حتي يقل عن 10% في منتصف عام 2009 وأن يظل متذبذبا تحت معدل 10% باقي السنة بحيث يكون في المتوسط في معدل 8 9% خلال السنة الميلادية ل 2009 ويكون متوسطةه في العام المالي الحالي 15%. وعن أسباب التذبذب المتوقعة في التضخم خلال 2009 تلفت إلي التوقعات بارتفاعه خلال فترات مواسم الصيف وشهر رمضان والأعياد الدينية معتبرة أن الصورة العامة خلال عام 2009 ستكون استقرار متوسط الأسعار المحلية عند معدلات مقاربة من معدلات عام 2008 دون الارتفاع عنها أو الانخفاض بشكل كبير بسبب استمرار الطلب في السوق المحلي، كما تنبه إلي أن انخفاض معدل التضخم خلال 2009 سيسهم في دفع البنك المركزي إلي تخفيض سعر الفائدة مما سيكون له انعكاس ايجابي علي الاستثمار. سيطرة الاحتكارات وتقول د. ضحي عبدالحميد أستاذة التمويل بالجامعة الأمريكية إنه علي الرغم من الانخفاض الكبير الذي حدث في معدل التضخم خلال الفترة الماضية حتي وصل إلي 11،6% إلا أنها لا تتوقع أن ينخفض خلال العام الحالي عن 9% نظرا إلي سيطرة "الاحتكارات" علي السوق مما أدي لعدم انعكاس التباطؤ الاقتصادي العالمي والانخفاضات الكبيرة في الأسعار عالميا علي السوق المصري. أشارت إلي أن المحال التجارية في الخارج قدمت تخفيضات كبيرة خلال الفترة الماضية لتسريع دورة رأس المال في ظل هذه الفترة الحرجة إلا أن العديد من التجار في مصر لا يتمتعون بهذه الرؤية ويتمسكون بتحقيق أكبر مكاسب ممكنة.