ليس غريبا أن تكون الجامعات المصرية خارج قائمة أفضل الجامعات في العالم فالدراسة في الجامعات الآن لا تختلف عن المدارس الثانوية تقوم علي الحفظ والتلقين، وحتي الحياة الجامعية الآن أصيبت أيضا بنوع من الجمود والخمول وأصبح ممارسة الأنشطة والرياضة نوعا من الترف لا يتوافر في الكثير من الجامعات والكليات. ولكن الغريب هو أن تمتد هذه الحالة من الترهل والعشوائية والتخبط إلي الجامعات الخاصة التي كنا نعقد عليها آمالا كبيرة في تطوير التعليم الجامعي خاصة أن بعضها دأب في الإعلان في تأسيس الجامعة إلي الايحاء بأن التأسيس يأتي ضمن برامج تعليمية مشتركة مع دول أوروبية متقدمة علميا وصناعيا، واشاع هؤلاء أن حكومات هذه الدول الغربية تقوم بدعم هذه الجامعات علميا وماديا وتزودها أيضا بأعضاء في هيئات التدريس. والتحقت أعداد كبيرة من الطلاب بهذه الجامعات أملا في تكملة التعليم الجامعي بمصر بمواصفات تعليمية جديدة وبشكل أكثر تطورا وملاءمة للغة العصر، خاصة أن بعض هذه الجامعات أعلن مرارا وتكرارا أن اللغة الأساسية في التدريس ستكون اللغة الإنجليزية لأن معظم أعضاء هيئات التدريس سيكونون من الأجانب. وأمام هذا الشكل الجديد في التعليم اندفع طلاب المدارس الاجنبية والخاصة وأبناء المصريين الذين يعملون في الخارج وتلقوا تعليمهم باللغة الانجليزية بالتوجه إلي هذه الجامعات ورفض فكرة مواصلة التعليم الجامعي في الخارج. وكانت الصدمة أن المحاضرين والمدرسين معظمهم إن لم يكن كلهم من مصر وأن التدريس يتم باللغة العربية مع أن الكتب الدراسية المقررة موضوعة باللغة الانجليزية، ولم تفلح شكاوي الطلاب في إثناء هذه الجامعات في التدريس باللغة العربية حيث ردوا علي الطلاب بأن غالبية الطلاب أتوا من مدارس حكومية وأنهم لا يستوعبون اللغة الانجليزية جيدا..! وفشل أولياء الأمور في الالتقاء بالمسئولين بهذه الجامعات الذين اتبعوا سياسة غلق الأبواب أمام أولياء الأمور واكتفوا بأن يطلبوا منهم كتابة تعليقاتهم ووجهات نظرهم وتقديمها للإدارة والانصراف. وكان واضحا أن هذه الجامعات لا تريد فتح الباب أمام قضية ستجد نفسها فيها خاسرة وستضطر للاعتراف بأنها خدعت الأهالي والطلاب عندما تحدثت عن تعليم مختلف بأساتذة أجانب وبدورات تعليمية تكميلية في الخارج. ولكي تسكت هذه الجامعات كل الأصوات فإنها تلجأ إلي سياسة الاختبارات والامتحانات الدورية التي تجعل الطالب مهموما بالامتحانات فقط، وهي امتحانات تأخذ شكلا تعجيزيا في الكثير من الاحيان لكي لا يحصل الطلاب علي درجات مرتفعة وفي ذلك فائدة مالية كبيرة لهذه الجامعات لانه كلما انخفض معدل درجات الطالب في كل مادة زادت الرسوم الدراسية التي يتم تحصيلها منه، لأن الرسوم يتم تقديرها بناء علي ما أحرزه من تقييم دراسي في نهاية كل عام! وتحولت هذه الجامعات بشكل أو بآخر إلي مؤسسات ربحية تبحث عن أكبر قدر من المكاسب علي حساب العملية التعليمية والكفاءة المهنية، وأصبحت قراراتها وسياساتها في يد شخص واحد أو عدة أشخاص دون أن يكون لمجالس الأمناء أو مجالس الكليات أو العمداء دور يذكر في رسم السياسات والتأكد من جدواها ومواءمتها! وبعيدا عن التعليم والذي يتم بلا رقابة حقيقية من وزارة التعليم أو المجلس الأعلي للجامعات فإن بعض هذه الجامعات أصبح مسرحا كبيرا لخوض نوع آخر يتمثل في الحفلات الغنائية الصاخبة التي تقام في هذه الجامعات بحضور عدد من المطربين المشهورين والتي تستمر حتي ساعات متأخرة من الليل وتعكس شكلا وواقعا لا يتماشي ولا يتفق مع عادات وتقاليد وقيم الحياة الجامعية في مجتمع محافظ. إن هذه الجامعات وجدت للإسهام في تطوير التعليم في مصر ولكنها علي ما يبدو أصبحت بابا خلفيا للحصول علي الشهادات الجامعية لأصحاب الدرجات المنخفضة من الذين لا يهمهم المال وعلي استعداد للتضحية به في سبيل الشهادة وليس مهما أن حصلوا بعد ذلك علي العلم أو لم يحصلوا عليه..!! [email protected]