قضيت يوما كاملا في جامعة القاهرة أتجول بين كلياتها وألتقي مع عدد من أعضاء هيئة التدريس بها وأستمع إلي طلابها وأتابع أحاديثهم وحواراتهم وتصرفاتهم..! ولم أجد ماكنت أتوق لمشاهدته، اختفت مظاهر الحياة الجامعية من الحرم الجامعي..، فلا توجد أنشطة واضحة ولا توجد فاعليات ثقافية أوفنية معلن عنها، ولا توجد حياة اجتماعية بالمعني الذي اعتدنا عليه في الجامعة، وبدلا من ذلك كان هناك مئات من الطلاب والطالبات ومعظمهن محجبات، وقد افترشن الطرقات وسلالم الكليات يقضون ساعات طوال في حوار أشبه بجلسات السمر والنميمة ولا يبدو عليهم لا تفاعل مع المكان ولا ارتقاء لمستواه. ولا يختلف الحال كثيرا مع واقع أساتذة الجامعة، فقد رأيت عددا من الأساتذة في زي وهيئة لا يليقان بالاستاذ الجامعي، واستمعت إلي عدد منهم يتحدث ويحاور فلم أجد ثقافة ولا إطلاعا ولا إلماما بالكثير من قضايا المجتمع بشكل سليم، بل انني سألت عدد منهم إن كان يتابع ويقرأ الصحف فأجاب بالنفي متعللا بأنه لا وقت لديه..! وفي الحقيقة فإن طريقة وأسلوب تعيين المعيدين والأساتذة تحتاج إلي مراجعة وإلي تغيير كامل، فليس كل من يتفوق دراسيا يصلح للتدريس وإلقاء المحاضرات ومواصلة رحلة البحث العلمي.. فالكل يعلم أن من يحفظ المحاضرات والمنهج الدراسي هو الذي يحصل علي أعلي التقديرات ويجد طريقه إلي التعيين في الجامعة والتدرج في المناصب التعليمية. والذين يتم تعيينهم بهذا الاسلوب وبهذا الشكل يفتقرون في الغالب إلي الفهم السليم للحياة الاجتماعية ويعانون من عزلة داخل أنفسهم تنعكس علي تصرفاتهم وأسلوبهم وطريقة يسهم. فالجامعة ليست مكانا أو قاعات للتحفيظ والتدريس فقط، بقدر ما هي معمل لتخريج وإعداد الكفاءات والقدرات التي تستطيع من خلال الفكر الجديد أن تبدع وتبتكر وتسهم في تطوير المجتمع بالاندماج فيه والتأثير في جميع نواحي الحياة. والشكل الحالي للجامعة لا ينتج ولا يفرز شخصيات منفتحة علي المجتمع، ممتلئة بالثقة والأمل والرغبة في التغيير بقدر ما أصبح معملا لإعداد متشددين دينيين أو شخصيات انطوائية تفتقر إلي الطموح وتتطلع إلي الأمام بانطلاقة واعية مختلفة. ولقد استمعت إلي الكثير من تعليقات بعض الأساتذة الذين عبروا أيضا عن احباطاتهم وقلقهم علي مستقبل الجامعة في ظل هذه الأوضاع حيث أصبح البعض يعتقد أن دوره أصبح قاصرا علي دخول قاعة المحاضرات وإلقاء محاضرته في ساعة أو ساعتين وينتهي دوره بعد ذلك دون رغبة أو اهتمام بمشاركة الطلاب اهتماماتهم وجذبهم للأنشطة المختلفة التي تنمي قدرات وسلوكيات الطلاب. وجامعة القاهرة لا تختلف في ذلك عن كل الجامعات الحكومية الأخري التي تستقبل الطلاب بناء علي ترشيحات مكتب التنسيق والتي لا تتوافر بها الامكانيات اللازمة لاستيعاب كل هذه الأعداد الضخمة أو توفير المناخ الجامعي المناسب لهم. وأخشي أن أقول إن الجامعات الحكومية في سبيلها لأن تكون جامعات الطبقات المحدودة ومتوسطي الدخل فقط لأن القادرين والأغنياء أصبحوا يفضلون الجامعات الأجنبية الخاصة التي يكون التدريس فيها باللغة الإنجليزية والتي تتوافر بها قاعات مريحة للتدريس ويجد فيها الطالب اهتماما ورعاية أكثر مما يحصل عليه الطالب في الجامعة الحكومية، وأكثر من هذا فإن فرص العمل أمام خريجي هذه الجامعات الأجنبية الخاصة تبدو أفضل كثيرا من خريجي الجامعات الحكومية نظرا لإجادتهم اللغة الانجليزية ولأنهم يعدون بشكل أفضل للاندماج في الحياة العامة، وهناك أيضا طلب متزايد عليهم من الشركات والمؤسسات الخاصة والأجنبية في مصر. إن ما شاهدته في جامعة القاهرة إنما هو الإجابة عن السؤال الذي يتردد دائما وهو لماذا لا تظهر جامعاتنا ضمن قائمة أفضل جامعات العالم.. والإجابة تقول أيضا إن ما لدينا الآن ليست بجامعات وإنما هي مدارس ثانوية كبيرة وبها اختلاط وإن كان قد أصبح أيضا اختلاطا مع وقف التنفيذ..! [email protected]