لقد ابتلي اقتصاد بنجلاديش خلال السنوات الأخيرة بالكثير من عدم الاستقرار السياسي والكوارث الطبيعية والسياسيين الفاسدين، ولكن الأزمة الاقتصادية العالمية ستكون هي الاختبار الحقيقي لقدرته علي التكيف واستعادة حيويته بعد هذا البلاء، فالأزمة قد وضعت في مهب الريح المصدرين الأساسيين لما تحصل عليه بنجلاديش من عملات صعبة ومن تحويلات العاملين في الخارج والصادرات. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن جيش بنجلاديش اضطر إلي التحرك في يناير 2007 لينصب حكومة انتقالية من التكنوقراط غير المنتجين لمدة عامين وذلك بعد أن ظلت بنجلاديش تأتي علي رأس القوائم الدولية للبلدان الأكثر غرقا في الفساد لمدة خمس سنوات متتالية، وقد حدث ذلك رغم أن اقتصاد بنجلاديش كان ينمو بمعدل 6% سنويا في المتوسط منذ عام 2004 ورغم أن عدد الفقراء في البلاد كان يتناقص بسرعة أكبر من أي وقت مضي ولذلك وصف المانحون بنجلاديش بأنها "أرض المفارقات" ولكن لم يصدق أحد هذا الحديث عن المفارقات لأن الجميع كانوا يعلمون أن هذا أسلوب مهذب لإبلاغ السياسيين بأن بلادهم يمكن أن تكون في وضع أفضل إذا كفوا عن اختلاس ثرواتها، وأن التقدم يمكن أن يحدث إذا ما عالجوا نواقص الحكم واستثمروا في التعليم والبنية الأساسية وحسنوا مستوي الإنتاج الزراعي. ومعروف أن بنجلاديش من أكثر بلاد العالم فقرا وأن مساحتها ضعف مساحة أيرلندا وأنها لا تجد ما تغذي به شعبها رغم هذه المساحة الشاسعة، وتقول تقارير البنك الدولي إن نحو 56 مليون شخص من شعب بنجلاديش البالغ تعداده 147 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر، وأنه مع حلول منتصف القرن الحادي والعشرين سيضاف إلي سكان بنجلاديش 100 مليون فم آخري يتعين عليها إطعامهم، ورغم عودة الانتخابات الديمقراطية إلي بنجلاديش في ديسمبر 2008 وفوز حزب رابطة عوامي بالأغلبية البرلمانية وتشكيل الشيخة حسينة للحكومة المنتخبة الجديدة فقد طفا عدم الاستقرار مرة أخري علي الحياة في بنجلاديش بسبب تمرد قوات حرس الحدود في أواخر فبراير الماضي وهو التمرد الذي يعد نذير شؤم لتزامنه مع التداعيات السلبية التي تفرزها الأزمة الاقتصادية العالمية علي الحياة في بنجلاديش. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن بنجلاديش تعتمد علي العنصر الوحيد الوفير لديها وهو قوة العمل الرخيصة والتي تتركز حاليا في صناعة الملابس وتمثل صناعة الملابس 75% من إجمالي صادرات بنجلاديش وقد تضاعف حجم صادراتها من الملابس خلال السنوات الخمس الأخيرة ليناهز 11 مليار دولار سنويا. وخلال ذات الفترة زادت تحويلات ابناء بنجلاديش العاملين في الخارج إلي ذويهم في الداخل بنسبة 300% لتصبح 7،9 مليار دولار أو نحو 10% من إجمالي الناتح المحلي للبلاد وهي أكبر نسبة من نوعها علي مستوي العالم كله، ولذلك فإن اقتصاد بنجلاديش يعتمد بكثافة علي ما يتم انفاقه في متاجر أوروبا وأمريكا وكذلك الطلب علي عمال بنجلاديش في بلدان الخليج العربي خصوصا وأن عدد ابناء بنجلاديش العاملين في الخارج صار الآن يناهز 5،5 مليون نسمة. وبسبب الأزمة الاقتصادية العالمية انخفضت صادرات بنجلاديش والطلب علي عمالتها في الخارج علي نحو ينذر بالخطر، ورغم أن فوائض بنجلاديش الرأسمالية قد حمت نظامها المالي حتي الآن فإن حالة بنوكها أبعد ما تكون عن النشاط حتي أن وكالة الملاءة "فيتش" قد وصفتها أخيرا بأنها من أضعف بنوك الأسواق الآسيوية الناشئة. ورغم أن ساسة بنجلاديش دأبوا علي القول بأن بلادهم لن تتأثر كثيرا بالأزمة الاقتصادية العالمية فإن ما يحدث الآن يؤكد أنهم لم يكونوا علي حق وأن الميزة التنافسية لصادرات بنجلاديش بسبب عمالتها الرخيصة لم تستطع أن تعوض الانخفاض الشديد للطلب في أسواق الغرب، ورغم أن أحدا لا يمكنه أن يعرف إلي أين ستتطور الأمور فإن صندوق النقد الدولي أعلن استعداده للمساعدة ومع ذلك ردت حكومة بنجلاديش قائلة إنها ليست بحاجة إلي المساعدة، ويصر البنك المركزي في بنجلاديش علي القول بأن معدل النمو الاقتصادي للبلاد سيصل إلي 6% في العام المالي حتي نهاية يونيو المقبل، أما البنك الدولي فيقدر أن معدل النمو لن يتجاوز 4،8% خلال العام المذكور. ومما يثير الاهتمام دون شك ما يحدث من اضطراب سياسي في مدينتي دكا وشيتاجونج اللتين تنتجان 60% من إجمالي الناتج المحلي، وقد أعلنت الحكومة منذ أيام عزمها علي توزيع الأرز علي عمال صناعة الملابس بأسعار مخفضة جدا كذلك فإن انخفاض الصادرات ليس من شأنه أن يثير أزمة في ميزان المدفوعات طالما أنه سيتزامن مع انخفاض مماثل في أسعار المكونات المستوردة كما أن الاحتياطي النقدي لدي الحكومة والذي يناهز 5 - 6 مليارات دولار يكفي لتغطية الواردات لمدة 3 شهور، أكثر من ذلك فإن الانخفاض العالمي في أسعار الغذاء والبترول أدي بالفعل إلي انخفاض آخر في فاتورة الواردات. ولكن تحويلات العاملين في الخارج هي التي ستظل مصدرا للقلق، لقد حصل 875 الفا من ابناء بنجلاديش علي أعمال في الخارج خلال العام الماضي، ولكن السعودية التي تعد سوق العمل الرئيسي لابناء بنجلاديش لم توظف منهم منذ بداية العام الحالي سوي بضعة الاف قليلة، واضطرت شركات الطيران التي تحمل ابناء بنجلاديش من وإلي أسواق العمل الخارجية إلي خفض عدد رحلاتها، يبقي أن نقول إن بنجلاديش لن تتمكن من تحقيق أهدافها في محاربة الفقر بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية من ناحية وانفلات معدل النمو السكاني علي الجانب الآخر.