جاء اختيار فخر الدين احمد المحافظ السابق للبنك المركزي في بنجلاديش رئيسا للحكومة الانتقالية الجديدة التي ستتولي الإعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة وسط أزمة حادة تعيشها البلاد منذ شهر اكتوبر الماضي. ولم يكن اختيار فخر الدين احمد لهذا المنصب هو الأول من نوعه ولن يكون الأخير التي يتم فيه اللجوء لمحافظي البنوك المركزية عند اشتداد حدة الأزمات السياسية في انحاء كثيرة من العالم. فقد سبق ذلك اقتراح الجيش في تايلاند الذي قام بانقلاب أبيض في سبتمبر الماضي ضد رئيس الوزراء السابق تاكسين شيناوترا اسم اثنين من كبار المصرفيين في البلاد لرئاسة الحكومة الجديدة خلال المرحلة الانتقالية خلفا لشيناوترا وهما محافظ البنك المركزي الحالي بريدايادهورن ديفاكولا والمحافظ السابق للبنك تشاتو مونجول سوناكول من بين عدد من الشخصيات المدنية الاخري التي اتفق عليها قادة الانقلاب. كما اعلن الزين ولد زيدان المحافظ السبق للبنك المركزي الموريتاني في ديسمبر الماضي ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في موريتانيا يوم 11 مارس 2007 وسبق لولد زيدان وهو في الأربعين من العمر أن تولي في أواخر عهد الرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع إدارة المؤسسة النقدية الكبري في البلاد وقد ثبته العسكريون بعد انقلاب الثالث من اغسطس 2005 علي رأس البنك المركزي الي ان استقال في سبتمبر 2006 لتهيئة ترشحه للرئاسة. وأدي فخر الدين احمد المحافظ السابق للبنك المركزي في بنجلاديش في الثاني عشر من يناير الجاري اليمين الدستورية في حفل في القصر الرئاسي رئيسا للحكومة الانتقالية الجديدة في البلاد وذلك في حفل نقل التليفزيون الحكومي وقائعه مباشرة علي الهواء. وستلقي علي عاهل فخر الدين الذي تخرج في جامعة برنستون وعمل في البنك الدولي مهمة اخراج البلاد من الأزمة السياسية التي ادت الي اعلان حالة الطوارئ والغاء الانتخابات العامة التي كانت مقررة في الثاني والعشرين من يناير الجاري. وجاء تعيين احمد الذي عمل محافظا للبنك المركزي من 2001 وحتي 2006 خلفا للرئيس البنغالي تاج الدين احمد الذي تولي رئاسة الحكومة الانتقالية منذ نهاية اكتوبر 2006. والواقع ان بنجلاديش تشهد منذ اشهر أزمة سياسية حادة بين الحكومة وحوالي خمسة عشر حزبا معارضا بقيادة "رابطة عوامي" التي ترأسها رئيسة الحكومة السابقة الشيخة حسينة واجد وقررت الرابطة وحلفاؤها في بداية يناير مقاطعة الانتخابات التشريعية ازاء رفض السلطات تأجيلها واتهمت السلطة بتزوير التحضير للانتخابات عبر "تضخيم" لوائح الناخبين باضافة اسماء ستصب في صالح الحزب الوطني في بنجلاديش برئاسة البيجوم خالدة ضياء التي تركت رئاسة الحكومة في نهاية اكتوبر الماضي. وادي تفاقم هذه الازمة الي اعلان رئيس بنجلاديش تاج الدين احمد في 11 يناير الجاري استقالته من منصبه كرئيس مؤقت للحكومة الانتقالية من أجل وضع حد للجدل الحاد الذي حدث في أعقاب توليه المنصب.. وتعهد بتشكيل مجلس مستشارين جديد "حكومة مؤقتة جديدة" لاجراء انتخابات موثوق بها في اقصر وقت ممكن وقال ان الهدف من استقالته يتمثل في تمهيد الطريق امام انتخابات عامة تحظي بالقبول من جميع الاحزاب السياسية. يشار الي أن اسم بنجلاديش كان علي ألسنة الجميع في اكتوبر الماضي لاسباب ايجابية فقط فاز واحد من اساتذة الاقتصاد ومن كبار مصرفييها بجائزة نوبل للسلام وهو البروفيسور محمد يونس المعروف باسم مصرفي الفقراء إلا أن هذا البلد الفقير يدخل الآن اسوأ فترة عدم استقرار سياسي واقتصادي يتعرض له منذ سنوات بسبب الخلافات السياسية بين الحزبين الرئيسيين في البلاد.. حزب بنجلاديش الوطني الإسلامي الحاكم بزعامة رئيسة الوزراء المنتهية ولايتها خالدة ضياء وحزب رابطة عوامي المعارض اللذين دخلا نزاعا مريرا حول ترتيبات عمل الحكومة الانتقالية التي ستعد البلاد للانتخابات العامة. وعقب استقالة الرئيس تاج الدين احمد من منصبه كرئيس مؤقت للحكومة رفض البروفيسور محمد يونس مؤسس بنك "جرامين" عام 1977 والحائز علي جائزة نوبل للسلام هذا العام مناصفة مع البنك تولي رئاسة الحكومة الانتقالية في بلاده وقال تلقيت اقتراحا بان اكون رئيسا للحكومة الانتقالية إلا أني رفضت. وكان يونس -66 عاما- قد اعلن عقب فوزه بجائزة نوبل للسلام عزمه تشكيل حركة سياسية لايجاد مرشحين شرفاء بامكانهم خوض الانتخابات البرلمانية خلال العام القادم وقال آنذاك في كلمة له امام حشد من مؤيديه في العاصمة دكا انه يمكنه ايضا تشكيل حزب سياسي اذا تطلب الأمر ذلك في اطار حملته الرامية الي تطهير العمل السياسي في بلاده وتعهد بالمساعدة في حل الازمة السياسية في بنجلاديش. وقال انه سيخصص جزءا من وقته للمساعدة في التوصل الي حل للمأزق الذي يهدد بدفع بنجلاديش في اتجاه حالة من الاضطراب السياسي وكانت الأزمة السياسية في بنجلاديش قد بدأت هذه المرة عندما انهي الحزب الوطني الحاكم رسميا فترة حكمه التي استمرت خمس سنوات متواصلة. وينص دستور بنجلاديش علي ضرورة تولي حكومة انتقالية غير حزبية السلطة للمساهمة في توجيه البلاد للانتخابات العامة عقب انتهاء ولاية الحكومة. واتفقت القوي السياسية في أكتوبر الماضي علي تعيين الرئيس تاج الدين أحمد رئيسا مؤقتا للحكومة لحين إجراء الانتخابات العامة لكن حزب رابطة عوامي، حزب المعارضة الرئيسي كان ينظر إليه باعتباره منحازا للحزب الوطني الحاكم. ألقي الصراع السياسي في بنجلاديش بظلاله علي الوضع الاقتصادي وأدي إلي التضييق علي نشاط الميناء الرئيسي في البلاد وهو تشينا غونغ. وتهديد الصناعات التصديرية ولاسيما الملابس الجاهزة التي تشكل 85% من صادرات بنجلاديش. ويعرف العالم إلي حد كبير حجم الفساد في بنجلاديش. وقد اعتبرتها مؤسسة الشفافية الدولية واحدة من أكثر دول العالم فسادا للسنة الرابعة علي التوالي منذ عام 2001. ومن بين مليارات الدولارات التي أرسلها العالم إلي بنجلاديش لأغراض التنمية الاقتصادية، تشير التقديرات إلي أن 25% فقط ذهب لذلك الغرض. يذكر أن بنجلاديش التي تعني أرض الناس الذين يتحدثون البنغالية هي دولة آسيوية تقع في جنوب وسط آسيا، تحدها من جهات الشرق والشمال والغرب دولة الهند ويحدها من الجنوب المحيط الهندي. وتعتبر من أكثر دول العالم كثافة سكانية لصغر حجمها مقارنة بتعداد سكانها الكبير والذي يربو علي 140 مليون نسمة. وكانت بنجلاديش جزءا من باكستان، التي تشكلت عام 1947 عندما انسحب البريطانيون من الهند الموحدة، وبعد نزاع بين القطاعين الشرقي "بنجلاديش فيما بعد" والغربي "باكستان الآن" حول اللغة الأولي والمشاركة في الحكومة والجيش وغيرها من القضايا الاقتصادية، جرت حرب أهلية مريرة لينقسم الجزء الشرقي، الذي بات يعرف باسم بنجلاديش منذ عام 1971. ويدين 90% من سكان بنجلاديش بالإسلام، أما الباقي فمن الهندوس والمسيحيين.