حينما تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في السعودية قبل نحو ثلاث سنوات قال المراقبون إن الملك الجديد سيقود بلاده إلي المستقبل من خلال حركة إصلاحية حذرة. خلال السنوات الثلاث الماضية حدثت فعلا في المملكة العربية السعودية تطورات مهمة علي صعيد السياسات الداخلية والخارجية رصدناها في قيام المملكة بدور أكثر إيجابية في معالجة القضايا الإقليمية والدولية واتخاذها موقفا واضحا وصريحا في عدد من القضايا المهمة مثل النزاع بين الفرقاء في لبنان وفلسطين وغيرهما. علي الصعيد الداخلي في المملكة السعودية رصدنا اتساع المناقشات حول القضايا العامة وتناول الصحف المحلية لموضوعات كانت محظورة تماما من قبل مثل نشر المناظرات أو المناقشات حول قضايا خلافية فقهية وفتاوي تتعلق بالشأن العام والخاص. وتداول الصحف السعودية لبعض الحوادث المنسوبة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذه التطورات كانت ارهاصات ضرورية لتجهيز المجتمع السعودي وإعداده لنقل التغيير بصورة أو بأخري لمراجعة الثقافة السائدة حول مختلف الأمور وتطعيمها بثقافة مغايرة وليست مختلفة مثلما حدث في توسيع هيئة كبار العلماء وضم عناصر من مختلف المذاهب السنية بعد أن كانت العضوية مقتصرة علي العلماء من المذهب الحنبلي. إن التغييرات التي قررها خادم الحرمين الشريفين تناولت قطاعات مهمة مترابطة ومتصلة بالثقافة السائدة والخطاب الديني والثقافي السائد وهي قطاعات التعليم والقضاء وهيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وهذه القطاعات فضلا عن اتصالها بالثقافة السائدة في المجتمع فإنها ترتبط إلي حد كبير بالمطالبات الحقوقية التي تعترض علي تدخل بعض الدوائر في الحياة الشخصية للمواطنين وعدم معرفة المواطنين بما يواجهونه في النظام القضائي. لقد كانت دعوة خادم الحرمين الشريفين لحوار جاد بين معتنقي الأديان وحضوره شخصيا لهذه المؤتمرات سببا كافيا للتساؤل عن مدي قدرة المملكة علي متابعة هذا الاتجاه في الوقت الذي يحكم الثقافة السائدة فيها تيار واحد ومذهب واحد. أعتقد أن إعادة تشكيل هيئة كبار العلماء بالتوافق مع التغيير في منظومة التعليم والقضاء وما يتبعهما وتوسيع دائرة المشاركة لتشمل العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية السنية يمثل نقلة نوعية في المملكة علي صعيد التغيير الثقافي المطلوب بحذر لتوفير قناة اتصال قوية وآمنة مع المجتمع الدولي ويضفي مصداقية علي سياسات المملكة الخارجية التي تتصدي للمشاركة الفعالة والإيجابية في تناول وطرح وحل المشكلات الإقليمية والدولية. المملكة السعودية نقطة ارتكاز قوية للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخطواتها الإصلاحية تضفي مزيدا من الاستقرار علي المنطقة كلها.