ما تقوم به الحكومة لمواجهة الأزمة الحالية كمن يحاول إطفاء حريق هائل بجردل مياه ولم يصل إلي خرطوم مياه. هذا هو باختصار توصيف الدكتور جودة عبدالخالق أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع للإجراءات التي قامت بها الحكومة لمواجهة الأزمة. وطالب الحكومة بمضاعفة الرقم الذي أعلنت عنه للتغلب علي آثار الأزمة خاصة أن ال30 مليار جنيه التي سيتم ضخها لا تمثل سوي نقطة في بحر إذا قارنا تلك الاستثمارات بالناتج القومي الإجمالي الذي يبلغ حوالي 150 مليار دولار. وأوضح الدكتور جودة عبدالخالق أنه لا يجب أن تكون الحلول علي حساب المهمشين والفقراء ولصالح القلة المتحكمة في النظام مشيرا إلي أنه إذا لم يكن هناك فكر مبادئ من جانب الدول المهمشة وتركت الساحة لمجموعة العشرين أو الدول الصناعية لايجاد نظام جديد فيمكن أن يسفر ذلك عن قواعد جديدة للنظام العالمي علي حساب الدول المهمشة. الضحايا وحول تأثير الأزمة علي الشباب يري د.جودة أن أبلغ مثال علي ذلك ما نشر مؤخرا عن قيام مواطن عاقل ورشيد وغني بقتل أولاده الاثنين وهما من الشباب بسبب خسارته لأمواله في البورصة، ويشير إلي أن الأزمة الحالية ناتجة عن خلل في هندسة النظام المالي والاقتصادي الدولي بمعني أن جملة القواعد الحاكمة للعبة علي المستوي الاقتصادي الدولي سواء فيما يتعلق بأسعار العملات أو التجارة الدولية أو انسياب رؤوس الأموال أو دور المؤسسات الدولية الكبري كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي فكلها مجموعة من القواعد "عفا" عليها الزمن لأنها ظهرت منذ أكثر من نصف قرن وحدثت تعديلات خلال تلك الفترة جعلتها أشبه بالديناصور ومكانها الطبيعي هو المتاحف وما يؤرقني أن هذا البعد لم يتم التطرق له بشكل جاد ولكن الجميع يتعامل بمنطق إذا جاء الطوفان ضع ابنك تحت قدميك وهذا الابن يمكن أن يكون الشباب علي مستوي المجتمع أو الدول النامية علي المستوي العالمي والفقراء والمهمشون في الدول المختلفة. العملة ورؤوس الأموال وفيما يخص أسعار الصرف والتي ليس لها مرسي بعد أن فقدت العلاقات بينها وبين الذهب كما فقدت العلاقة بينها وبين الدولار وأصبح النظام النقدي العالمي في مهب الريح وهو ما أوجد سحابة قاتمة أمام العاملين في التجارة الدولية وخاصة أنك لا تعرف ما ستكون عليه أسعار العملات وتحولت المسألة من التحوط من سعر الصرف إلي المضاربة ثم المقامرة. وبالنسبة لحركة رؤوس الأموال تم إطلاقها وتكثيف حركة العمالة بين دول العالم وحركة الأموال أطلقت فيما يسمي بالعولمة المالية وبالتالي إذا حدث وتأثرت سوف تنتقل بين دول العالم تأثيراتها نتيجة للتفاعل وبالتالي فإن الحلول للأزمة علي مستوي الدولة الواحدة لن يكون "ناجعا" بسبب تلك التدخلات الدولية أما تحرير التجارة الدولية وتحرير تجارة الخدمات ومنها الخدمات المالية فقد جعل العالم ملعبا كبيرا أمام الشركات العملاقة المالية دون حواجز أو قواعد. ومثل هذا النظام يجعل قدرة الدولة القومية في إدارة الشأن الاقتصادي محدودا جدا وفي ظل التحول من نظام التحوط إلي المضاربة إلي المقامرة يفتح باب جهنم من خلال الأدوات المالية المختلفة. ويري د. جودة أنه لم يحدث تحرك بشكل كبير بعد اجتماع مجموعة العشرين في واشنطن للتغلب علي آثار الأزمة نتيحة لأنه كان هناك انتقال وشيك للسلطة السياسية في أمريكا. ويقول: لكن ما أزعجني مقال لكبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي عن استعادة الثقة من خلال ضخ السيولة وتنظيم القواعد المنظمة لعمل المؤسسات الدولية المالية وطالب بزيادة التمويل الممنوح للصندوق حتي يستطيع أن يقوم بدور المقرض الأخير وعربة الإسعاف للدول التي تتعرض للأزمة وهو ما يعني أن الصندوق يقوم بدور الرقيب علي كل دول العالم بدون أن يخضع هو لتلك الرقابة من أي جهة. الوضع في مصر وبالنسبة لما حدث في مصر يوضح أنه بمجرد ظهور الأزمة أكد المسئولون أنها لن تؤثر في مصر لأن الاقتصاد المصري قوي والقطاع المصرفي سليم وبعد ذلك علي استحياء وب"القطاعي" ظهرت تصريحات للمسئولين كان أكثرهم صراحة هو المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة بخلاف منطق وزير المالية والذي افترض منذ البداية أننا محصنون ضد الأزمة.. ولكن الوضع الحقيقي مخيف. وفيما يخص الإجراءات الحكومية يقول د.جودة إننا نجد أنها أبقت علي سعر الفائدة كما هو في حين أن هذا السعر انخفض في كل الدول وثانيا الإعلان عن ضخ 15 مليار جنيه في المرحلة الأولي ثم 15 مليار جنيه في المرحلة الثانية وبالنظر إلي ما ستضخه الحكومة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي والذي يبلغ حوالي 150 مليار دولار طبقا لأرقام وزارة التنمية نجد أنه ضئيل جدا وإذا كانت الحكومة تسعي لتفادي دخول الاقتصاد مرحلة الانكماش فالحل ليس 30 مليار جنيه والمفترض أن يتضاعف هذا الرقم وقبل ذلك نبحث كيفية تدبير هذا المال والأهم أن نبتعد عن الاقتراض الداخلي وزيادة الدين الداخلي والذي وصل وفقا لبيانات الجهاز المركزي للمحاسبات حوالي 74% من الناتج المحلي لميزانية 2007/2008 كما أن فاتورة الدين الداخلي في شكل فوائد بلغت 3 أمثال ما يوجه للاستثمار ويعني ذلك أن الحكومة تزيد عبء الديون علي الأجيال القادمة دون أي مشاركة من هذه الأجيال في اتخاذ هذه الإجراءات أو زيادة الضغوط التضخمية علي الفئات الفقيرة والمهمشة في المجتمع. حل مؤقت ويري د.جودة أن ضخ الحكومة ل15 مليار جنيه في البنية الأساسية لا يسهم في إيجاد فرص عمل دائمة وإنما فرص موسمية ترتبط بانتهاء تلك المشروعات وبالتالي هي علاج مؤقت وبتكلفة اقتصادية واجتماعية مرتفعة ويوضح أنه يجب علي الحكومة أن تعيد النظر في حزمة الإنقاذ والتنشيط. وبالنسبة لسؤال هل هي فرصة أم أزمة؟! يري د.جودة أن الكلام غير المنطقي هو الذي يروج لفكرة أن الأزمة يمكن أن تكون فرصة وأزمة لنفس الشخص أو البلد فهذا غير حقيقي وبالنسبة للدول العربية هي فرصة إذا استخدمت أموالها السائلة ليس في الصناعة فقط وإنما أيضا في الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي العربي.