لم يخطر علي قلب مستثمر أو متعامل في سوق المال المصري ان تؤول الأمور الي ما آلت إليه وان تتآكل رؤوس الأموال وتعصف الانهيارات بالأخضر واليابس وتترك الجميع يعانون مر المعاناة في عام هو الأسوأ في تاريخ البورصة المصرية حتي الآن!! يلفظ عام 2008 انفاسه الأخيرة بعد ساعات قليلة تاركا السوق والمتعاملين ينازعون الترقب والخسائر لا يعلمون مستقبلا واضحا لهذا الوعاء الاستثماري الذي طالما وصفه الاقتصاديون بأنه ترمومتر الاقتصادات، يضعون آمالهم في تعويض خسائرهم في كفة وتوقعات الركود وتفاقم الازمة المالية في كفة أخري متيقنين بأن الأمور مبهمة حتي إشعار آخر. جشع المتعاملين وأحلام الثراء السريع لم تكن وحدها السبب جراء ما وصل له حال سوق المال المصري، فالحكومة بدورها والظروف العالمية والمحلية لعبت دورا محوريا في تلك المأساة المالية، فما شهدته اسعار السلع والطاقة ومدخلات الانتاج من ارتفاعات جنونية في نهاية 2007 وبداية 2008 أوجدت حالة من التكالب علي كل شيء حتي وصل الأمر الي أسهم البورصة وشركاتها باعتبارها ركنا رئيسيا في الاقتصاد الكلي. ولك عزيزي القاريء ان تتخيل تلك "البالونة" التي راحت تمتلئ بالهواء والجميع يدرك انها ستنفجر في أي وقت، لكنهم غير مقتنعين بذلك حتي انفجرت في وجه الجميع.. تلك هي البورصة في مصر وحالها في عام اقرب وصف له انه "عام الخراب في أسواق المال"..!! بعد انهيارات 2006 وانحسار موجة الهبوط التي ألمت بالبورصات العربية في ذلك الوقت رفعت البورصة في مصر شعار "الارتفاع الصاروخي" ومنذ ذلك الحين وحتي مايو من عام 2008 والسوق يعطي القاصي والداني والأرباح داخل الشركات والسوق علي أشدها. عدة عوامل كانت سبباً في تراجع البورصة المصرية وتآكل أرباح ما يقرب من 4 أعوام فائتة ووصول مؤشرها الي مستويات 2005 جاء في أولها القرارات الحكومية العشوائية التي ظهرت عنفوانها علي السوق في مايو 2008 تلك التي أوقفت مسيرة صعوده بعد ان قارب المؤشر 12 ألف نقطة، فلا يجد خالد الطيب عضو مجلس إدارة بايونيرز القابضة كلاما يقوله عن عام 2008 سوي أنه عام الدمار في أسواق المال، موضحا ان قرارات الحكومة في منتصف العام بدأت مسيرة الانهيارات ثم جاءت بعض الاحداث المتتالية كقضية هشام طلعت مصطفي ومحمد فريد خميس وحادث الدويقة لتزيد "الطين بلة"، الي أن جاءت الملامح الأولي للأزمة المالية العالمية وافلاس بنوك كبري في امريكا وتأكيد خراب الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة وبعض دول اوروبا لتجهز علي ما تبقي من البورصة المصرية ونظيراتها في دول العالم عربيا كانت ام اوروبية. ولعل هناك عدة أشياء لو افترضنا حدوثها ما كانت الأزمة وصلت الي هذه المأساة، فحسب الطيب فإن القرارات الحكومية لو لم تكن قد صدرت في مايو وما حدثت تداعيات قضية طلعت مصطفي وبعض الأمور الاخري ما كان السوق قد شهد هذه الازمة الطاحنة وربما وقف مؤشره عند مستويات شابهت مستويات داوجونز مؤشر بورصة بلد الازمة "امريكا". إن التداعيات السيئة والازمات المتلاحقة التي اصطدم بها سوق المال المصري اوجدت نوعا من الهيستيريا الجنونية في اسعار الاسهم وافقدت بعض الشركات ما يربو علي 80% من قيمها السوقية هذا الي جانب التراجع المنتظر في نتائج الاعمال التي من المتوقع ان تعم جميع قطاعات السوق. هناك اقتراحات ظهرت مع بداية الأزمة كما يقول عضو مجلس ادارة بايونيرز القابضة لاستيعاب الامور كان علي رأسها التدخل الفوري للصناديق والمؤسسات الكبري لانقاذ ما يمكن إنقاذه، غير ان تلك الاقتراحات لم يكن هناك مجال لها خاصة ان الصناديق كانت تعي تماما الضغوط التي سيواجها سوق المال من جراء الخروج المباشر للاجانب وهو ما جعلها تخرج هي الاخري قبل ان تخسر أموال المستثمرين. ولا شك ان عام 2008 هو أسوأ عام مر علي البورصة المصرية منذ تدشينها حتي وقتنا هذا، فخلاله رأينا كما يقول الطيب رؤوس اموال تآكلت وعملاء تداينوا لشركات الخدمات المالية وأجانب هربوا من السوق وسيولة باتت هي الاضعف منذ سنوات طويلة.