"ممارسة الأعمال" مصطلح اعتدنا ترديده كل عام في إطار النقاش حول نتائج تقرير البنك الدولي السنوي الذي يحمل هذا الاسم ويقيس تطور البيئة الاستثمارية في مصر وباقي دول العالم، ولكن برنامج الأممالمتحدة الانمائي يقدم هذه المرة تقريرا هو الأول من نوعه تحت عنوان "استراتيجية ممارسة الأعمال مع الفقراء".. فهل من الممكن أن تقوم الشركات الكبيرة بتنظيم بيزنس مع المهمشين والملايين الذين يعيشون تحت خط الفقر في مصر؟ وهل من الممكن أن ينزل رجال الأعمال من مكاتبهم الفارهة إلي القري التي تفتقر إلي الماء والصرف لعقد صفقة مع فلاح هزيل يعاني من سوء التغذية؟ ربما.. هذا هو ما حاول التقرير إثباته من خلال عرض 50 قصة نجاح من مختلف دول العالم لصفقات بيزنس عادت بالربح علي الطرفين - الشركات الكبري والفقراء معا أو علي الأقل غطت تكلفتها.. وهذه التفاصيل من أفضل ما تتميز به التجارب التي عرضها التقرير هو أنها قدمت حلولا لقضايا تمس حياة البسطاء وكانت تبدو وكأنه من المستحيل الوصول إلي حل لها.. خاصة وأن كان هذا الحل عن طريق القطاع الخاص.. وأبرز مثال علي ذلك هو قضية ارتفاع الدواء، فالفلبين تعاني من ارتفاع أسعار الدواء بها إلي أعلي المعدلات العالمية بنسبة ارتفاع تتراوح بين 40 إلي 70% عن الدول المجاورة لها - كما يقول التقرير -. إلا أن شركة يوني لاب وهي واحدة من كبري شركات الأدوية في الفلبين قامت بمساعدة الحكومة في حملتها لتخفيض تكلفة أسعار الدواء من خلال إنشاء شركة "ريت ميد" حيث استطاعت الشركة أن تبيع المنتجات الدوائية بأسعار أمثل من 20 إلي 75% عن الأسعار في السوق، واستطاعت في الوقت نفسه أن تحقق العوائد المستهدفة من المشروع "20 مليون دولار" في 5 سنوات. نجاحات كثيرة أما الهند فيعاني فيها قطاع عريض من السكان من عدم القدرة علي دفع تكلفة الرعاية الصحية حتي فيما يتعلق بخدمات الرعاية الصحية الأساسية، ويقول التقرير إن التأمين الصحي للفقراء فعليا غير موجود. وفي عام 2001 قام "ديفي شيتي" بتأسيس مستشفي للقلب وقام المستشفي بتقديم خدماته الصحية بشكل انسيابي معتمدا علي نظم تكنولوجية حديثة ونظم تأمين صحي "إبداعية" موجهة للفقراء، وعلي الرغم من أنه لم يتجاهل أي مريض طلب خدمته ولم يكن قادرا علي الدفع استطاع أن تحقق أرباحا 20% قبل خصم الضرائب والفائدة وهو هامش أعلي من المتحقق في المستشفيات المماثلة التي تدار بالطريقة التقليدية. ومن الدواء إلي الغذاء.. يقدم التقرير تجربة ناجحة في توفير الغذاء للفقراء وهي تجربة شركة دانون العالمية للصناعات الغذائية في بولندا، حيث أطلقت الشركة منذ 3 سنوات مبادرة لتطوير منتج إفطار له قيمة غذائية عالية ويتناسب سعره مع الأسر منخفضة الدخل، ولضمان استمرارية المبادرة أدركت شركة دانون أن المنتجات يجب أن تحقق ربحية للشركة علي الأقل تغطي تكلفة صناعة وتوزيع وتنمية المنتج، ولتحقيق هذا الهدف أعتمدت الشركة علي شركاء لها في تنفيذ المبادرة من منظمات صحة وتغذية الأطفال وبائعي التجزئة ومصنعي مدخلات الإنتاج، وتعهد الشركاء بتقديم أقل سعر ممكن مع أعلي قيمة غذائية ممكنة، ونجحت الحملة التي أطلقت في سبتمبر 2006 ببيع 1،5 مليون عبوة بنهاية هذا العام. وفي المجال الزراعي كان مزارعو جوز الهند الفقراء في الفلبين شركاء في بيزنس ناجح مع شركة "كوكو تك"، حيث إن اعتماد الفلاحين علي التربح من الاستخدام التقليدي لجوز الهند من خلال الاستفادة من لحمها وزيتها يعرضهم لمخاطر تذبذب الأسواق، لذا قامت "كوكو تك" بتصنيع آلياف صناعية من قشر جوز الهند، وهو نموذج "بيزنس تعاوني" كما يسميه التقرير يشمل أكثر من 6000 آلاف أسرة في مجالات تصنيع هذه الألياف ويوفر للمستهلك منتجا رخيصا وصديقا للبيئة. أما عن التمويل الصغير فقد أفرد له التقرير العديد من التجارب الناجحة لبنوك نزلت إلي الفقراء وبحثت عن حاجاتهم التمويلية وحققت من وراء ذلك ربحية كبيرة. ففي بيرو نجحت مؤسسة "ميبانكو" - أول بنك تجاري للأقراض الصغير في بيرو - في أن تتوسع في البلاد ب74 فرعا ومنذ بدء نشاطه في عام 1998 قدم البنك قروضا بأكثر من 1،6 مليار دولار بقيم تتراوح بين 100 و1500 دولار واستطاع أن يحقق انتشارا كبيرا في الأرياف. وفي كينيا تبني بنك كيه أر إي بي نموذج بنك "جرامين" - للاقتصادي البنجلاديشي محمد يونس الحاصل علي جائزة نوبل - في الإقراض الصغير، واستطاع البنك الذي ذكر التقرير انه يتمتع بأداء مالي صحي أن يوزع 69 ألف قرض صغير في عام 2005.