منذ أن وقعت الفأس في رأس المال الأمريكي، مالت معه رؤوس أموال كثيرة وترنحت علي أثر ذلك سواء كانت شركات وبنوك كبيرة وأعلنت بعض الدول إفلاسها وتكاد أخري تلحق بها وتداعت الأمم والقيادات لعقد الاجتماعات ووضع الخطط وتوجيه نداءات الاستغاثة لحث دول العالم علي الإدلاء بدلوها ومد يد العون لإنقاذ العالم من هذه الكارثة المحدقة. وتبارت الأقلام في التنبؤ بانهيار وشيك للنظام الرأسمالي بعد سقوط "وول ستريت" شبيه بانهيار النظام الاشتراكي بعد سقوط جدار برلين.. وشخصت الأبصار نحو جدار آخر هو سور الصين العظيم الذي حاول خلال العقود الأخيرة تقديم نموذج جديد يجمع بين النموذجين السابقين. الفئة الناجية أمام هذا بدت الصين وهي صاحبة أسرع اقتصادات العالم نموا منذ ثلاثة عقود كأنها في منأي عن كل ذلك الهرج وبدت قيادتها كأنها بأذن من طين وأخري من عجين أمام كل نداءات الاستغاثة. الرئيس الصيني هو جنتاو اكتفي خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي جورج بوش بتأييد خطة الإنقاذ الأمريكية معتبرا أن نجاحها سيصب أيضا في صالح الاقتصاد الصيني! أما رئيس وزرائه ون جيا باو المعروف بفهمه العميق للشئون الاقتصادية، فقد بدا أكثر ثقة بأن بلاده ستكون من "الفئة الناجية" وبأن تأثيرات الأزمة المالية الدولية علي الاقتصاد الصيني ستكون محدودة للغاية وقابلة للسيطرة، معتبرا أن أكبر مساهمة يمكن أن تقدمها بلاده للعالم هي الحفاظ علي استقرار الأسواق الصينية وسرعة نموذها. قد يبدو ذلك صحيحا بالنظر إلي حجم السوق الصينية، وهو ما يؤكده الخبراء بالأدلة والبراهين. جانج بينج الخبير في المعهد الصيني للسياسات المالية علل ذلك للجزيرة نت بالقول إن السبب في ذلك هو أن النظام المالي الصيني نظام شبه معزول عن النظام المالي الدولي وتعقيداته. إذ إن نسبة الأموال الصينية المستثمرة في الخارج تتجاوز بقليل 2% من قيمة الأصول الثابتة للبنوك الصينية وتخضع لإشراف الدولة. هذا بالإضافة إلي أن الصين تسيطر علي رؤوس أموال ضخمة وتمتلك احتياطيا استراتيجيا هائلا اقترب من تريليوني دولار وتتمتع بوضع مالي قوي داخليا وخارجيا. خبراء آخرون يجزمون أيضا بأن الصين ستخرج معافاة من هذه الأزمة لكنها لن تكون بمنأي كامل عن رياحها لكون الصادرات الصينية تحظي بمكانة مهمة في النمو الاقتصادي الصيني تتجاوز نسبتها 40% وقد بدأت تشهد بعض التباطؤ بالفعل. كما أن تضرر الاقتصادات الغربية قد يدفع بعض رؤوس الأموال الأجنبية للعودة إلي بلادها والنزوح عن الأسواق الصينية وهذا ما أعلنته فعلا بعض الشركات مثل "أديداس". ثقة وحذر تلك الثقة الصينية بالاقتصاد الصيني لم تخل من قلق وحذر، حيث سارعت الحكومة الصينية لاتخاذ بعض الإجراءات الوقائية كخفض نسبة الفوائد البنكية مثلا لكن البعض اعتبر هذه الخطوة لا تهدف لحماية البنوك الصينية فحسب، بل إنها جاءت بالتنسيق مع البنوك المركزية الدولية لإظهار الصين بصورة الدولة المسئولة التي تقدم مساهمات لحل هذه الأزمة الدولية. ومن المتوقع أن تقوم الصين بإجراءات أخري لكنها تؤجل ذلك إلي حين انعقاد القمة الآسيوية الأوروبية السابعة الأسبوع القادم التي ستستضيفها بكين وستحضرها 45 دولة آسيوية وأوروبية ومن المنتظر بالطبع أن تتصدر الأزمة المالية الحالية جدول أعمالها. فوائد البعض يري أن هذه الأزمة تقدم فرصا تاريخية للصين أكثر مما تضعها أمام تحديات، فهي تمنحها هامشا للتفاوض علي أسعار المواد الأولية في الدول الأخري كما تفتح لشركاتها أبواب الاستثمار لدي تلك الدول في هذا المجال.