حسمت الدبابات الروسية الموقف العسكري في القوقاز حين هاجمت أوسيتيا الجنوبية في جمهورية جورجيا المستقلة وأجبرت حكومتها علي الخروج من العاصمة تكيكنغالي. ورغم ما يقال عن المعارك وآلاف القتلي واسقاط الطائرات فإن قوة روسيا الاتحادية لا تقارن بالقوات المحدودة عددا وتسليحا التي تملكها جمهورية جورجيا المنسلخة حديثا عن الاتحاد السوفيتي السابق. ربما كان الأمر أشبه بضربة من عملاق ضخم علي رأس شخص صغير الحجم. وهنا يثور السؤال لماذا أقدمت جورجيا وهي تتعلم أنها ليست ندا عسكريا لروسيا علي خطوة محاولة إنهاء انفصال إقليم أوسيتيا الجنوبية بالقوة العسكرية وهي تعلم أن روسيا لن توافق علي ذلك، كما أن أكثر من 70% من سكان الإقليم يؤيدون روسيا؟ تقول معظم التحليلات أن الرئيس الجورجي الموالي للغرب أخطأ التقدير في مدي قدرة حلف الناتو علي مساندته في عملية عسكرية من شأنها أن تتطور حال تدخل الناتو لتكون حربا عالمية. لا روسيا تريد حربا عالمية، ولا أمريكا ولا أوروبا كذلك، وعلي اللاعبين الصغار تحمل نتائج أعمالهم وسوء تقديرهم.. ولو تأمل الرئيس الجورجي قليلا ما حدث في كوسوو وكيف تم تجنب المواجهة بين روسيا والناتو، وقبول روسيا علي مضض لاستقلال كوسوفو وإن لم تعترف بذلك أبدا. لو تأمل ذلك لعرف أن الناتو لن يقدم أبدا علي خطوة من شأنها اشعال حرب وستبقي مسألة كوسوفو، ومسألة أوسيتيا الجنوبية من مسائل المفاوضات والأحاديث المتكررة لعشرات السنين مالم تتغير الظروف الدولية تغيرا دراماتيكيا غير متوقع. لقد أقدمت حكومة جورجيا علي خطوة عسكرية في محاولة لتنفيذ وعد رئاسي بإنهإ وانفصال الإقليم. وهو وعد وعده الرئيس أثناء جولة الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ونظرا للصعوبات التي تكتنف الموضوع فإن الاندفاع إلي عمل عسكري دفع روسيا إلي التدخل بقوة ضخمة للغاية لإقناع جورجيا وغير جورجيا بعدم التفكير مجددا في الخيارات العسكرية. لم يكن متصورا أن تقبل روسيا بخطوة جورجيا إنهاءها، انفصال الإقليم بالقوة العسكرية، ولو قبلت روسيا هذا المنطق في مجالها الحيوي لتفككت روسيا الاتحادية ذاتها وتحركت كل الحركات الانفصالية القومية داخلها. لم يكن أمام الروس اختيار سوي التدخل العسكري ولم يكن علي جورجيا أن تفتح الطريق للعمل العسكري اعتمادا علي وهم دعم الناتو الذي لا يتورط في حرب لا يريدها.