بعد أكثر من عامين على بدء وانتهاء حرب القوقاز التي بدأتها جورجيا ضد سكان أوسيتيا الجنوبية وتدخل روسيا، لاتزال وسائل الإعلام الغربية تصور الحرب بين جورجيا وجمهورية أوسيتيا الجنوبية على أنها كانت حربا بين روسيا وجورجيا. غير أن جميع المشاهدات الميدانية (منذ وصول كاتب هذه الكلمات إلى الحدود الفاصلة بين جورجيا وأوسيتيا في الساعات الأولى من صباح 8 اغسطس 2008 وحتى هروبه من جورجيا إلى أرمينيا عبر الجبال ليلة 10 أغسطس) تؤكد أن جورجيا بدأت حربا خطط لها حوالي 200 خبير عسكري أمريكي تواجدوا في العاصمة الجورجية تبليسي. إضافة إلى الأسلحة التي قامت إسرائيل بضخها إلى جورجيا قبل أكثر من عام على نشوب الحرب. وبعد الدور المخجل الذي قامت به كبريات وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الغربية، وبالذات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وإدخال المونتاج على صور تلفزيونية كشفت تفاصيل الهجوم الجورجي على أوسيتيا الجنوبية، قامت هوليوود بإنتاج فيلم باسم (5 أيام من أغسطس) حشدت له العديد من الوجوه المعروفة في السينما العالمية لتخرج إلى النور فيلما يقلب كل الحقائق التي شاهدها كاتب هذه الكلمات لحظة بلحظة بعد ساعات قليلة من نشوب الحرب. الفيلم يصور مدى القسوة والبشاعة التي مارسها الجنود الروس ضد المدنيين الجورجيين، مثل قصف عرس، وقتل كبار السن والنساء والأطفال، والاعتداء على الصحفيين. كما صور الرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي وكأنه كامل الوعي والأهلية على عكس الصورة التي بدا عليها في وسائل الإعلام آنذاك، وأهمها عندما كان يتحدث بالهاتف وفجأة بدأ يمضغ رابطة عنقه. من الواضح أن عقدة "العراق" و"أفغانستان" بدأت ترهق الضمير الأمريكي، كما كان الحال عليه أثناء جريمة فيتنام ومن قبلها جريمة قصف اليابان بالقنابل الذرية. لقد حاول الفيلم قلب الصورة تماما وتصوير ما تفعله القوات الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان على أنه جرى في حرب الأيام الخمسة، وكأن القوات الروسية حلت محل القوات الأمريكية والجيوش الأوروبية التابعة لها، بينما جورجيا تمثل شعبي العراق وأفغانستان. غير أن المضحك في هذا الفيلم هو اعتماده على (الجرافيك) في تصوير المعارك والقصف واصطياد المروحيات والطائرات الحربية، ناهيك عن المباني وأماكن تحركات رئيس جورجيا ميخائيل سآكاشفيلي. الأمر الذي يثير حالة من الأسف والشك في نوايا منتجي الفيلم، والإشفاق على المشاهد الذي يتعرض لحالة من التزوير والبلطجة البصرية والنفسية والذهنية. في صباح 8 أغسطس 2008 توجه أكثر من 50 دبابة و20 ناقلة جنود إلى الحدود الجورجية الأوسيتية الجنوبية. تمركزت هذه القوات على معابر الحدود وبدأت التوغل في الأراضي الأوسيتية بمساعدة المدفعية الثقيلة ومنظومات (جراد) والمروحيات العسكرية. خلال اليوم الأول للحرب قامت القوات الجورجية النظامية بالهجوم على موقعين لقوات حفظ السلام الروسية، ما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة أكثر من مائة آخرين. وتم إطلاق النار من مسافات قصيرة على الجرحى. في هذه الأثناء كان اجتياح العاصمة الأوسيتية الجنوبية تسخينفال يجري تحت قصف المدفعية الجورجية المتمركزة على الجبال المحيطة بأوسيتيا. وتم تدمير المستشفى المركزي في تسخينفال، ووزارتي الخارجية والداخلية، والقضاء على البنية التحية بشكل شبه كامل. في منتصف ذلك اليوم أعلن الرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي وقف إطلاق النار لمدة 3 ساعات فقط لفتح ممرات أمام المدنيين الراغبين في مغادرة تسخينفال إلى جورجيا. وقبل ساعة ونصف من انتهاء المدة بدأت القوات الجورجية قصف العاصمة الأوسيتية (فيلم هوليوود يصور كيف قامت القوات الروسية بقصف اللاجئين الجورجيين). وفي النصف الثاني بدأت المقاتلات الروسية من طراز (سوخوي-25) تحلق فوق الجبال الحدودية وتقصف مواقع المدفعية الجورجية. بينما حرب الشوارع في تسخينفال تدور بين القوات الجورجية وقوات حفظ السلام والقوات الأوسيتية الجنوبية. وعلمنا أن الجيش الروسي الثامن والخمسين بدأ يشارك في المعارك ضد القوات الجورجية في نهاية يوم 8 أغسطس تقريبا. كان أول ظهور لي على الهواء مباشرة في الساعة التاسعة من صباح 8 أغسطس. قبلها بساعة واحدة فقط أجريت اتصالا هاتفيا مباشرا رويت فيه ما شاهدناه وما نشاهده في تلك اللحظات. وفي الساعة التاسعة وأنا أتحدث على الهواء مباشرة فوجئت بأرتال الدبابات وحاملات الجنود متجهة نحو الحدود مع أوسيتيا. حولنا الكاميرا ناحية الدبابات وحاملات الجنود. وفوجئنا بأن المصورين الجورجيين تركوا الكاميرات الخاصة بهم وبدأوا يهللون بسعادة غامرة ويرفعون أياديهم بعلامة النصر. في اليوم التالي عرفنا أن كل الذين كانوا يقفون معنا في هذا المكان على بعد 3 – 5 كلم من الحدود مع أوسيتيا الجنوبية كانوا من عناصر القوات الخاصة والاستخبارات العسكرية الجورجية. كل هذه الصور لاتزال موجودة في أرشيفي الخاص. في النصف الأول من يوم 8 أغسطس، كنا مجموعة التصوير الوحيدة لقناة تبث باللغة العربية. في الساعة 11 غادر جميع الصحفيين وبقيت مجموعتنا المكونة من 5 أفراد فقط (منتج، ومهندس صوت، ومصور، ومراسلان). تبادلنا أحاديث طويلة وكثيرة مع الجنود الجورجيين أثناء توقف دباباتهم وعرباتهم. وبادلنا سجائرنا بطعام ومياه وفواكه من عندهم. كنا نود عبور الحدود إلى العاصمة تسخينفال، ولكنهم حذرونا من وجود القناصة الجورجيين الذين قد يطلقون النار علينا بطريق الخطأ. لاحظنا في هذه الأثناء كيف كانت الباصات المدنية تنقل الأسلحة والمتفجرات من جورجيا إلى أوسيتيا عبر نقطة الحدود التي نقف عندها. ولا حظنا أيضا أن المنطقة خالية تماما من المدنيين الذين، عرفنا فيما بعد، أن السلطات الجورجية نقلتهم قبل أن تبدأ هجومها على تسخينفال في ليلة 7 على 8 أغسطس. مساء 8 أغسطس توجهنا إلى مدينة (جوري) الجورجية التي تبعد عن الحدود مع أوسيتيا الجنوبية بحوالي 30 كلم. كانت المدينة مطفأة تماما، والشوارع خالية إلا من بعض النساء والرجال العجائز الذين يجلسون على الأرصفة ويتحدثون حول "احتلال روسي متوقع للمدينة بعد قصفها بالطيران". خلال الليل لاحظنا تحرك الدبابات في تلك المدينة. وفي الصباح رأينا مئات الجنود المتوقعين في الحدائق العامة والمسارح ودور السينما والفنادق، إضافة إلى عشرات من العربات المصفحة. في صباح التاسع من أغسطس (اليوم الثاني للحرب) اكتشفنا أن الفندق الذي قضينا فيه ليلتنا ملئ بالجنود النائمين في الممرات وعلى الدرج وهم في كامل ثيابهم العسكرية وأسلحتهم ملاقاة إلى جوارهم. تخطيناهم في هدوء وتوجهنا مباشرة إلى الحدود الجورجية الأوسيتية الجنوبية، إلى نفس النقطة التي كنا فيها بالأمس 8 أغسطس. كانت مخافر الحدود مدمرة تماما. وفجأة قامت المروحيات الجورجية بعدة هجمات على العاصمة تسخينفال التي كانت تحترق في هذه الأثناء. واستمرت الاشتباكات داخل المدينة. وعلمنا أن مجموعة من القوات الخاصة الروسية وصلت إلى تسخينفال وبدأت تشارك في العمليات. في هذه الأثناء كانت وسائل الإعلام الجورجية والغربية تروج لشائعات تدور حول قيام الطائرات الحربية الروسية بقصف مدينة (جوري) وضواحي العاصمة تبليسي. غير أن ما كنا نشاهده بأعيننا يدحض تماما هذه الشائعات، إذ أن المقاتلات الروسية كانت تضرب الأهداف العسكرية وبالذات المطارات العسكرية الموجودة في ضواحي مدينة (جوري) ومواقع المدفعية الجورجية على الجبال. بدأت خلال هذا اليوم حرب إعلامية ساخنة. أعلنت موسكو أن القوات الخاصة الروسية وقوات حفظ السلام والجيش الثامن والخمسين تمكنت من تحرير المدينة. أما تبليسي فظلت تؤكد على أن العاصمة الأوسيتية الجنوبية تحت سيطرة قواتها. وفي الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت موسكو، أثناء وجودنا على المعابر الحدودية وعلى بعد عدة كيلومترات من تسخينفال، فوجئنا بعشرات الدبابات وناقلات الجنود الجورجية تأتي من داخل جورجيا في اتجاه الحدود. وقفت هذه القوات عدة دقائق في المنطقة الحدودية (كنا في هذه اللحظات محاصرين داخل طوق الدبابات والجنود، وسمحوا لنا بالتصوير اعتقدا منهم بأننا وسيلة إعلام جورجية أو غربية). بعد دقائق توجهت القوات الجورجية نحو أراضي أوسيتيا الجنوبية من جديد. وبدأنا نسمع صوت طلقات الدبابات والمدفعية. وأعمدة النار والدخان تتصاعد من جديد في تسخينفال. عرفنا أن جمهورية أبخازيا بها فتحت جبهة ثانية ضد جورجيا. وأن هناك معارك ساخنة في وادي كودوري. سمعنا أيضا أنباء متناقضة. فتارة تؤكد تبليسي أن قواتها تسيطر على وادي كودوري، وقريبا ستدخل العاصمة سوخوم، وتارة أخرى تؤكد القيادة الأبخازية أنها تلقن القوات الجورجية درسا لن ينسي في وادي كودوري. المعروف أن أكثر من 95% من سكان أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا يحملون الجنسية الروسية. هؤلاء السكان يعيشون وفقا لنمط الحياة الروسي. هناك أيضا أوسيتيا الشمالية التي تدخل في نطاق روسيا الاتحادية. أي أن أوسيتيا الشمالية والجنوبية يسكنهما شعب واحد كل مواطنيه يحملون الجنسية الروسية، ولكن الشمالية تابعة لروسيا والجنوبية أعلنت استقلالها من طرف واحد عن جورجيا. أبخازيا أيضا أعلنت استقلالها من طرف واحد عن جورجيا. ومع ذلك لم تعترف روسيا بهذا الاستقلال وظلت تدعو جميع الأطراف المتنازعة إلى التفاوض. ولكن الحرب غيرت موقف روسيا فأعلنت اعترافها باستقلال الجمهوريتين. قرب المساء أصابتنا الشكوك في إمكانية اعتقالنا. فتوجهنا إلى إحدى نقاط قوات حفظ السلام الوحيدة التي بقيت مكانها (بعد الحرب عدنا إلى هذه المنطقة ولم نجد موقع قوات حفظ السلام هذا ولم نعرف ماذا جرى له. كل ما شاهدناه حفر مختلفة المساحات بنتيجة القصف) وقمنا بإرسال ما صورناه عن طريق المعدات التي كانت معنا. اتصلنا بسائق السيارة التي نقلتنا صباحا من مدينة (جوري) إلى هذه النقطة. ولكن السائق أطلق في الهاتف قصيدة سباب طويلة رافضا نقلنا. عدنا إلى (جوري) سيرا على الأقدام. تجولنا في المدينة المظلمة التي تكاد تكون خالية تماما من السكان. توجهنا إلى الفندق المليء بالجنود الجورجيين. وقبل أن نبدل ملابسنا اقتحم عدد ضخم (يصل إلى 15 شخصا) من أفراد الاستخبارات العسكرية الجورجية وبدأت الاحتكاكات والاتهامات بالتجسس. ووزعوا أفراد مجموعتنا الخمسة في غرف منفصلة واستمرت التحقيقات حوالي 5 ساعات صادروا خلالها أوراقنا الشخصية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والتصوير. وفي الساعة الواحدة من صباح 10 أغسطس طردوا المجموعة من الفندق. وأمرونا بمغادرة (جوري) فورا. كان من الصعب العثور على سيارة. كان أمرا مستحيلا في مدينة تحولت إلى ثكنة عسكرية. استدعى قائد مجموعة الاستخبارات سيارة وأمر السائق بالتوجه إلى العاصمة تبليسي. ووصلنا قرب الساعة الخامسة من فجر يوم 10 أغسطس. وسائل الإعلام الجورجية والغربية راحت تستفيض في وصف قصف القوات الروسية للمساكن والسكان المدنيين. وهو ما لم نره طوال اليومين الأولين للحرب. لدرجة أنهم عرضوا صور أحد المنازل المهدمة على اعتبار أن الطائرات الروسية قامت بقصفه. هذا المنزل تحديدا كان بجوار الفندق الذي كنا نسكن فيه. وأذكر جيدا أنني سألت الزملاء مندهشا عن هذا المنزل وكيف يتركونه هكذا مهدما وقبيحا في هذا المكان الرائع. من الصعب الحديث عن قصف الأعراس والمدنيين، لأننا لم نر إطلاقا ذلك. علما بأن اليومين اللذين قضيناهما في (جوري) والمناطق المجاورة لها شكلا فترة زمنية ممتدة لم نتمكن فيها من النوم أو الجلوس في الفندق، بل كنا نتجول باستمرار، ونحاول رؤية كل ما يحدث، إذ أن غرفة الأخبار كانت على اتصال مباشر معنا كل نصف ساعة تقريبا. سادت العاصمة تبليسي حالة من التوجس والترقب والخوف. كل ما كان يسيطر على الناس هو هاجس وصول القوات الروسية في أية لحظة لاحتلال العاصمة. أدركنا مدى خطورة الآلة الإعلامية التي يستخدمها النظام السياسي في جورجيا. بل وأدركنا أيضا أن هناك دعما إعلاميا غربيا غير محدود. في ذلك اليوم تجولنا في شوارع العاصمة. رأينا الناس منقسمين بالنسبة لرأيهم فيما يجري، وبالنسبة لسآكاشفيلي. فهناك شباب يسيرون بالسيارات رافعين الأعلام الجورجية منددين بروسيا وممارساتها. وهناك أمهات يتجمهرن أمام مبنى البرلمان ينتقدون سآكاشفيلي وممارساته التي ستجلب النقمة على البلاد. هؤلاء الأمهات كانوا خارج نطاق التغطية الإعلامية الجورجية والغربية. لقد أعلن سآكاشفيلي الأحكام العرفية في البلاد لمدة أسبوعين بسبب رفض الشباب التجنيد الإجباري للذهاب إلى الحرب في أوسيتيا الجنوبية. لاحظنا هجوما شديدا ضد الولاياتالمتحدة. إذ يؤكد الجورجيون البسطاء أن واشنطن وراء كل ما يجري، وأن سآكاشفيلي مجرد لعبة، وينفذ مخططا أمريكيا وأورو-أطلسيا. ظللنا نتجول في الشوارع حتى الساعة السابعة مساء. استمعنا إلى الناس، وناقشناهم. وشاهدنا جلسة مجلس الأمن، في التلفزيون، التي دار فيها النقاش بين المندوبين الدائمين لروسياوالولاياتالمتحدة. وشاهدنا المحطات التلفزيونية الغربية، واطلعنا على الوكالات. أصابتنا الدهشة لكل ما يبث ويكتب. شعرنا أن كل هؤلاء يشاركون في (شو) إعلامي مختلق من بدايته إلى نهايته. فتركيز القنوات الغربية على أن الحرب بين روسيا وجورجيا، جعلنا ندرك أن الأمر مخطط له منذ فترة، وهناك تصميم على توريط روسيا في أمر لا علاقة لها به. الغريب في الأمر أن القيادة الأوكرانية أدلت بجملة خطيرة من التصريحات. فبمجرد دخول أبخازيا الحرب إلى جانب أوسيتيا الجنوبية، قامت روسيا بإرسال مجموعة من سفنها الحربية التابعة لأسطول البحر الأسود الروسي المتمركز في ميناء سفاستوبل بشبه جزيرة القرم في أوكرانيا. أعلنت كييف أنها لن تسمح بعودة هذه السفن مرة أخرى إلى الأسطول الروسي. غير أن التصريح بدا مثيرا للابتسام لأن أوكرانيا لا تملك الحق في ذلك. ولكنها أرادت الإعراب عن الدعم وحسن النية تجاه القيادة الجورجية الصديقة، إضافة إلى التلميح لواشنطن حول ما إذا كان هناك دور أوكراني مطلوب. قبل بدء الحرب بأيام قليلة تفجرت فضيحة التسليح السري الذي تقوم به إسرائيل للجيش الجورجي. كان معروف أن تل أبيب تزود تبليسي بطائرات التجسس بدون طيارين. ولكن اتضح أن الأمور أكبر وأوسع وأعمق بين البلدين الصديقين. روسيا أعربت عن امتعاضها من ممارسات إسرائيل، ما دفع القيادة الإسرايلية إلى إلغاء بعض الصفقات مع تبليسي. تفجرت أيضا فضيحة تزويد أوكرانيا جورجيا بالأسلحة، وبمنظومات صواريخ حديثة. هنا ننتقل إلى اللعبة الجورجية-الأوكرانية آنذاك (في فترة حكم الثوار البرتقاليين) بشأن معاداة روسيا، وتقديم كل فروض الولاء والطاعة للولايات المتحدة من أجل الانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. إن آخر مدينة روسية على الحدود بين روسيا وأوكرانيا (بلجرد) تبعد عن موسكو بحوالي 750 كلم. أي أن جنود الناتو سيكون على بعد 750 كلم من الكرملين. أما الحدود الجورجية المحاذية لروسيا من ناحية الشيشان فتبعد حوالي 1200 كلم فقط. معنى ذلك أن قوات الناتو في حال انضمام جورجيا وأوكرانيا إليه ستضرب طوقا حول روسيا. بعيدا عن التحليلات السياسية. تمكنا من العثور على سيارة في الساعة الثامنة من مساء يوم 10 أغسطس. نقلنا السائق إلى الحدود مع أرمينيا. وأثناء الدخول علمنا أن جميع أفراد طاقم السفارة الأمريكية في تبليسي غادروها. وعلمنا أيضا أنهم مروا قبلنا بعدة ساعات. تأكدت هذه الأنباء عندما وصلنا إلى العاصمة الأرمينية يريفان حوالي الساعة الخامسة من صباح يوم 11 أغسطس. وفي يوم 12 تمكنا من الحصول على بطاقات إلى موسكو. لقد ضربت السلطات الجورجية حصارا إعلاميا على الجورجيين حتى من قبل بداية الحرب مع أوسيتيا الجنوبية وابخازيا. أغلقت جميع مواقع النت الروسية أو التي لها علاقة بروسيا. منعت القنوات التلفزيونية والصحف الروسية. وأصبح الإعلام الحكومي هو المنفذ الوحيد للحصول على أي معلومات. إن فيلم (5 أيام من أغسطس) يأتي ردا متهافتا على الأفلام التسجيلية والوثائقية والصور التي حملت إشارة (8-8-8). والمثير أن الممثل الذي قام بدور الرئيس الجورجي حاول قدر الإمكان أن يؤدي دوره برزانة غريبة على الشخصية الحقيقة، ما يذكرنا ببعض الأفلام عن شخصية هتلر التي حاول المخرجون أن يظهروها بالكاريزمية والهدوء والذكاء، ثم التحول المفاجئ إلى القلق والتوتر والعصبية. الفيلم يذكرنا بإحدى قنوات التلفزيون الأمريكية الشهيرة جدا والتي سطت على الصور الذي قام أحد مصوري قناة (روسيا اليوم) بتصوريها في الساعات الأولى للهجوم الجورجي. وقامت بتغيير اتجاه القصف ليبدو قصفا روسيا لأهداف جورجية. المدهش أن القناة قدمت اعتذارا رسميا لقناة روسيا اليوم وللمشاهدين ولكن بعد أن كانت قد نفذت مهمتها وفقا لمبدأ جوبلز. هكذا يعكس الفيلم كل الحقائق ويستعيض بالجرافيك عن الصور، ويحرر الذئب الأمريكي من عقده التاريخية في اليابان وفيتنام، والعراق وأفغانستان حاليا. اضغط لمشاهدة الفيديو: اضغط لمشاهدة الفيديو: