أكدت د.سميحة القليوبي أستاذ القانون التجاري بجامعة القاهرة ان قانون التجارة الجديد تم تعديله بعد 100 عام من وجود قانون للتجارة في مصر منذ عام 1883 مشيرة في حوارها الخاص ل"الأسبوعي" إلي أن مصر تأخرت عن باقي دول العالم في إقرار قانون للإفلاس والذي قامت بتطويره دول عديدة، أوضحت ان فقهاء القانون رأوا ضرورة ان يقوم المفلس حسن النية بإقامة مشروع له بمجرد سداده للدين وان يرد اعتباره ويمارس حقوقه السياسية وعدم التحفظ عليه من قبل حكم محكمة. وأشارت القليوبي إلي أنه من الضروري ان يحكم علي التاجر المفلس بحجم أعماله وليس بما يدون في السجلات التجارية لان كثيرا من التجار يتلاعبون في هذه الناحية. وأضافت ان القضاة في مصر يتمتعون بنزاهة كاملة وحرص شديد في احكامهم علي المدين المفلس من أجل استمراره في العمل وعدم تشريد العمالة ولا يحكمون بالإفلاس إلا علي المدين المدلس الذي يتلاعب في ديونه أو يقوم باتلاف مستنداته عمدا، كما دعت إلي ضرورة إعادة النظر في عمل أمناء التفليسة والجهاز الإداري. * ما المبادئ الأساسية التي تأسس عليها قانون الافلاس المصري؟ ** بُني قانون الافلاس المصري طبقا لقانون التجارة المصري رقم 17 لسنة 1999 والذي أخذ بذات الفلسفة التي كان عليها قانون التجارة الذي ألغي وكان يُعمل به منذ وضعه عام 1883 والذي نُقل عن التشريعات الفرنسية وقتئذ وهذه الفلسفة هي الأخذ بالافلاس الشخصي لصاحب المشروع "سواء كان شركة أو مشروعا فرديا" وهذه الفلسفة لا وجود لها الآن تقريبا في تشريعات الدول المتقدمة مثل التشريعات الأوروبية وعلي رأسها التشريع المصري منذ زمن طويل يصل إلي 100 عام والتشريع الانجليزي أيضا وغيرها. وهذه الفلسفة مغايرة تماما للقضاء علي الشخص أو المشروع في حالة وجود ديون مؤكدة عليه ومع تغيير بنود قانون التجارة المصري أري ضرورة الأخذ بيد المشروع المتعثر إذا اتضح وضعه الاقتصادي والمالي وان هذا المشروع يمكن ان ينهض مرة أخري. * ما الأنظمة الحديثة التي تم الأخذ بها في نظام التفليسة المصري؟ ** غالبية فقهاء القانون وإدارة التشريع المصري وعلي رأسهم الدكتور محسن شفيق -رحمه الله- رأي ان الاقدام علي النظم الحديثة يقتضي تغيير مفهوم الهيكل التقليدي لنظام الافلاس المستقر عليه قضاء واكتفي بالأخذ بانظمة أخري حديثة منها تحديد فترة الريبة بألا تزيد علي عامين للمفلس حيث كانت هذه الفترة الزمنية غير محددة المدة وتم تحديد هذه المدة لاستقرار التعاملات التي اقامها المفلس قبل إفلاسه إلي جانب الأخذ بنظام حق التاجر المفلس في إقامة تجارة جديدة رغم إفلاسه مادامت هي من أموال أخري غير أموال التفليسة وهذا فيه استمرار لنشاط التاجر خاصة إذا كانت تجارته لها تأثير في الاقتصاد بشرط أن تكون ديون هذه التجارة الجديدة مضمونة فقط بأموال التجارة الجديدة وإذا حقق التاجر أرباحا مضمونة من هذه التجارة تكون من حق التفليسة القديمة الواجب سدادها عليه. * ما البنود الأساسية المطلوب تغييرها في قانون الإفلاس لصالح رجل الأعمال لخروجه آمنا من السوق وعودته مرة أخري؟ ** التعديلات الواجب الأخذ بها في تغيير بنود قانون الإفلاس المصري والتي اقرتها وزارة الاستثمار هي مسألة رد الاعتبار للمفلس إذا قام بسداد ديونه بالكامل فلابد أن يحصل علي رد الاعتبار فورا وكأن دينه لم يكن وهو مطلب رئيسي الآن لان الافلاس يعني بالنسبة للتاجر أو الشركة هو "الموت المدني" للشخص وهو انهيار لمشروعات قائمة قد تكون ناجحة وقد يكون لها مستقبل ويمكن انقاذها واستمرارها. والمطلب الآخر هو تمتع المفلس بحقوقه السياسية بعد انهاء افلاسه حيث إن المادة الموجودة بالقانون الآن تحرم المفلس من ممارسة حقوقه السياسية إلا في حالات الحكم عليه بجريمة الافلاس بالتدليس او التقصير فيمنع من ممارسة هذا الحق. * كيف يتم التفريق بين المفلس "حسن النية" و"المفلس المدلس"؟ ** الفرق واضح فالمفلس المدلس هو الذي يقوم بحرق دفاتره اضرارا بدائنيه أو يقوم باصطناع مديونيات غير حقيقية وغير موجودة. * هل مسألة التحفظ علي المفلس بحكم من المحكمة أمر دستوري؟ ** مسألة التحفظ علي المدين المفلس بحكم من أحد القضاة بتحديد اقامة المفلس مسألة غير دستورية ويجب إلغاؤها من القانون وأري ان عدم عرض قانون التجارة المصري الجديد علي مجلس الشوري في وجود هذه المواد التي تحدد اقامة المفلس وتحرمه من حقوقه السياسية مسألة غير دستورية لانها تتعلق بالحريات العامة التي ينص عليها الدستور فكأن الأمر يقتضي عرض القانون أولا علي مجلس الشوري قبل عرضه علي مجلس الشعب وإقراره. * هل هناك خلاف بين تطبيق شروط المفلس في مصر عنها في دول أخري؟ وما الشروط التي يتم الأخذ بها عند الإفلاس؟ ** مصر تقدمت كثيرا في هذه الجزئية وهي تساير الدول المتقدمة بعرضها لقانون التجارة الجديد وتضع مصر شروطا قاسية لتطبيق احكام الإفلاس منها أولا ان يكون الدين غير متنازع عليه ويكون ثابتا أمام القاضي يقينا فإذا كان الدين ثابتا علي المدين بورقة تجارية وكان هناك نزاع قائم حول مبلغ الدين لا يطبق علي المدين احكام ونظم الإفلاس، وأيضا إذا كان الدين ثابتا علي المدين وكان نتيجة اضطراب مالي وهي مسألة عارضة كما يحدث في الأزمات الاقتصادية وان هذا التاجر ينوي سداد دينه فلا يحكم عليه بالافلاس وينص قانون التجارة الجديد بأنه لا يجوز الحكم بالافلاس علي أي تاجر يقل رأسماله عن 20 ألف جنيه لذلك فصغار التجار هم بمنأي عن الإفلاس. * هل هناك خلاف فقهي وقضائي حول مفهوم رأس المال المستثمر للتاجر؟ وما الحكم فيه؟ ** نعم هناك خلاف فقهي وقضائي حول مفهوم المال المستثمر ولكن محكمة النقض المصرية حسمت هذا الأمر باعتبار ان المال المستثمر هو "حجم التجارة" الذي يقوم به المدين وليس ما قام بإعلانه في السجلات التجارية خاصة لأن معظم التجار يتهربون من عملية الافلاس بأن يكتبوا في رأسمالهم بالسجلات الحد الأدني للتعامل هو 20 ألف جنيه وفي حقيقة الأمر هم يتعاملون بالملايين فالحكم يكون أمام القضاء بحجم التعاملات الحقيقي وليس المدون في سجلات التجارة. * هل نحن في حاجة لتدريب القضاة وأمناء التفليسة لتنفيذ احكام قانون الافلاس بوضوح وشفافية؟ ** الحقيقة أنه لابد من توجيه الشكر والتقدير لقضاة مصر بجميع مستوياتهم لتفهمهم روح القانون وعدم تطبيق احكام قانون الافلاس الفوري لأي دين علي المدين إلا بعد ثبوته وأجد ان القضاء الابتدائي والاستئنافي وعلي رأسهم محكمة النقض قد تفهموا جدا لمفهوم الافلاس وحرصهم علي عدم القضاء علي مشروعات ناجحة بعينها وحرصهم علي استمرار المصانع الشاغلة بالعمالة بمجرد توقف المدين عن سداد الدين. أما فيما يتعلق بامناء التفليسة والجهاز الإداري ككل فهو يحتاج لإعادة نظر في نظام التشريع القانوني ويحتاج إلي مراقبة صارمة ومستمرة لما يقومون به من اعمال لإدارة التفليسة، حيث انه من الواضح ان أمين التفليسة لا يترك التفليسة علي الإطلاق إلا نادرا لانه يستفيد دائما طوال مدة التفليسة بل انه دائما ينازع ولا يقدم تقريره في الوقت الذي تحدده المحكمة. وأري ان عدم تقديم أمين التفليسة لتقريره في الموعد المحدد الذي اعلنته المحكمة وعدم حضوره كلية من المفروض ان يعتبر انهاء للتفليسة ويكون الحكم لصالح المفلس "المدين".