تتفاوت التقديرات حيال النتائج المرتقبة لاجتماع جدة للبترول في جدة بين الدول المصدرة والدول المستوردة للبترول بهدف النظر في اوضاع اسعار البترول العالمية، وان كانت بمجملها تتراوح بين "المشككة" و "المشككة جدا" حيال فرص التوصل إلي حل للأزمة. فالسوق خاضعة حاليا لمجموعة من العوامل غير المستقرة، فمن جهة، يبدو الطلب عند مستويات قياسية، وذلك بالتزامن مع تراجع الدولار وازدياد المضاربات، وهي امور تساهم برفع الاسعار بشدة رغم العرض السعودي بضخ 200 ألف برميل اضافي يوميا إلي الاسواق. ومع ان ذلك سيعني ازدياد المعروض في الاسواق الدولية، إلا ان ذلك يشكل فرقا كبيرا، مع بلوغ الطلب مستوي 87 مليون برميل يوميا رغم تراجع الاقتصاد في الولاياتالمتحدة. ولم تسلم خطوة الرياض بزيادة الانتاج من مواجهة التحديات، خاصة من ايران ثاني اكبر المنتجين في منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" والتي اعتبرت خطوة السعودية الاحادية "خاطئة" مع التركيز بوجود التشاور مع سائر دول المنظمة. ولكن المطلعين علي تاريخ "أوبك" يدركون أن المنظمة كانت دائما تحرص علي اطلاع القوي الدولية، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة واليابان واوروبا علي قراراتها قبل إصدارها، وما من شك ان وزير البترول السعودي المحنك علي النعيمي، قام "بدور رائد" في هذا الاطار. وبعد المشاركة في منتدي الاقتصاد الدولي الذي عقد هذا الاسبوع بمدينة كوالالمبور، بات من الواضح بالنسبة إلي ان الدول الصناعية السبع الكبري ليست وحدها من يعاني لهيب اسعار البترول الذي تجارز البرميل منه حاجز 130 دولارا، بل ان دولا نامية عديدة تواجه المصير نفسه، وفي مقدمتها الهند ولماليزيا واندونيسيا وباكستان وسيريلانكا التي قامت مؤخرا برفع الدعم عن اسعار الوقود بسبب ارتفاع التكاليف. وخلال المؤتمر، قال رئيس الوزراء الماليزي عبدالله أحمد بدوي لرجال الاعمال الذين حضروا إحدي حفلات الاستقبال: " لقد واجهنا العديد من التحديات في السابق، لكن ليس بهذه الصورة الشرسة التي باتت تهدد العالم بجدية". وسبق ذلك قيامه خلال مؤتمر صحفي بالطلب من المملكة العربية السعودية، وسائر الدول المصدرة للبترول ب "بذل أقصي ما باستطاعتها لخفض الاسعار". وعلي غرار ماليزيا فإن فيتنام دولة مكتفية ذاتيا علي صعيد الطاقة، لذلك فهي لم تشعر بضغط الاسعار علي غرار جيرانها في المنطقة، مثل الهند وكوريا الجنوبية، ويتوقع بنك التنمية الآسيوي ان يرتفع التضخم هذا العام في القارة إلي اعلي مستوياته منذ عقد، متجاوزا حاجز 6% بسبب اسعار البترول والغذاء، علما ان مدير البنك راجات ناج الذي أجري مقابلة مع برنامجنا متحفظ للغاية. من جهته يبدو وزير المال الفيتنامي فوفان نينا واعيا ايضا للمخاطر المحدقة، فالتضخم صعد 25% خلال مايو الماضي في بلاده، ففيتنام التي حققت لسنوات نموا بمعدل 7% واجتذبت 20 مليار دولار علي هيئة استثمارات خارجية وقفز مؤشر بورصتها 200 نقطة خلال عامين تعاني من خسارة بمعدل 60% في سوقها المالية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. ولكن الدول الآسيوية اليوم في موقع جيد، يؤهلها لمواجهة هذه الأزمة، فهي اليوم تمتلك اكثر من خمسة تريليونات دولار في خزانتها، بينما كانت تتخبط قبل عقد في أزمة اقتصادية صعبة. وقد قال يوشيمي واتانابا وزير الخدمات المالية والاصلاح الإداري الياباني في هذا الاطار إن الولاياتالمتحدة لا يسعها بعد اليوم ان تكون المحرك الاساسي للاقتصاد العالمي، بينما كان وزير المال الهندي السابق ياشوانت سينها اكثر سخرية في تناوله للموضوع، فتساءل قائلا: "ما الذي يفعله صندوق النقد الدولي حيال وضع الولاياتالمتحدة؟". وللرد علي سؤال الوزير الهندي السابق يمكننا القول: "لا شيء" فبعد سنوات من الفائدة المنخفضة وارتفاع مستويات الاقتراض من قبل المستهلكين الامريكيين من الطبيعي ان نجد انفسنا في هذا الوضع، فعوضا عن زيادة مدخراتهم يواجه الامريكيون اليوم تراجعا في نسبة النمو وتزايدا في معدلات البطالة والغلاء. وقد اطلق علماء الاقتصاد علي هذه الظاهرة عندما اصابت الاقتصاد الامريكي في العقد السابع من القرن الماضي اسم "الركود التضخمي" حيث خف النمو واستمر ارتفاع الاسعار. وبالعودة إلي المنتدي الاقتصادي في كوالالمبو فقد ساد بين الحضور جو ايجابي، أمل خلاله البعض ان تقوم دول "أوبك" خلال الاشهر المقبلة بزيادة الانتاج بالتزامن مع تراجع المضاربات "الغامضة" في اسواق البترول الخام.