كانت المشاهد مؤثرة تماما، تلك التي التقطتها عدسات البرامج الفضائية من امام لجان الثانوية العامة، حيث ظهرت الامهات وهن يقرأن في المطبوعات الصغيرة القليلة الصفحات التي تضم في الغالب فاتحة الكتاب وسورة يس، وصورة الملك، وسورة الرحمن، وأسماء الله الحسني، وهي المطبوعات التي يتم توزيعها في السنوات الأخيرة أثناء اي عزاء في اي سرادق. اما المؤثر فهو الاحساس الجسيم بالعجز والاحتياج المباشر لتدخل السماء كي تساعد الابناء علي الاجابة، ولا ادري لماذا تذكرت أحمد عرابي باشا حين اقام حفلة ذكر في ليالي القتال مع الإنجليز، ولم يغلق لحظتها قناة السويس. واقول ذلك لان قراءة القرآن وحده قد تهب الطمأنينة، ولكنها لا تحقق معجزة الاجابة عن الاسئلة المعقربة التي وضعها هؤلاء الناس من واضعي الامتحانات، وهم صنف من البشر لا يقل ضراوة عن محققي السجن الحربي ايام عبد الحكيم عامر وحمزة البسيوني الذي كانوا يضربون الشخص قائلين له كلمة واحدة هي "قول واعترف"، اما ماذا يقول، وعلي ماذا يعترف، فلا أحد يقول له. وانا أعلم ايضا دراساتي للحرب النفسية ان اهم ما ينتجه ترديد اي كلمات من معتقد هو افراز بعض من المواد التي تطمئن في مواقف التعذيب، لذلك نجد ان اهل العقائد هم أكثر الناس صمودا اثناء التعذيب، وتلك حقيقة يعلمها كل من درس ألف باء الحرب النفسية وسيكولوجية التعذيب. ومن المؤكد ان رحلة الصدمة التي تحاول بها الدولة الهرب من مسئولية الاعداد الكبيرة من التعليم العام هو وضع امتحانات علي درجة من الصعوبة، في زمن ترهلت فيه ادوات المجتمع نفسة علي إحكام الرقابة والضبط علي الضمير العام المجتمعي، ولا أدل علي ذلك من اعترافات المتهمين في تسريب الامتحانات، حيث ورت أسمات بعض من الشخصيات المؤثرة في كل موقع تم بيع الاسئلة فيه ولم تنتبه الدولة منذ سنوات سوي لحقيقة ترديد انها تريد تطوير التعليم، دون ان يتطور التعليم، وتريد ان ترفع من مستوي المدرس، ولكن ماذا يمكن ان يرفع من مستوي اناس يكسب الواحد منهم في بعض المحافظات ملايين الجنيهات، وكلنا نتذكر ان بعضاً ممن وضعوا اموالهم وهي ملايين عند آخر شركة توظيف اموال كانوا من المدرسين الخصوصيين. والواقع كان يصدمنا يوميا بأن هناك "تعليم سري" ينال شهرة بنفس شهرة المطار السري الذي كان موجودا في الصعيد وكان الكمساري في اي اتوبيس يقول للركاب "مين نازل المطار السري؟". وهناك في نفس الوقت تعليم علني غير محكم. واعترف - انا كاتب هذه السطور اني قمت بتعليم ابنائي دون درس خصوصي واحد، لاني كنت اتردد علي النيابة العامة للإبلاغ عن اي مدرس لا يحضر، او لايؤدي واجبه في الحصة المدرسية ، وسببت درجة من الذعر جعلت كل مدرس يدخل حصة يوجد فيها واحد من ابنائي. وتابعت الجدول الدراسي بشكل يومي. ولم ادفع مليما واحدا في اي درس خصوصي. وتدخل العديد من اولياء الامور عارضين ان يدفعوا عني ثمن دورس خصوصية لابنائي، فكنت اؤكد لهم ان المدرسين يعرضون نفس العرض، ولكني لا أوافق. ونجح الابناء بعد تردد طويل ومتابعة مرهقة للمدرسين والمدرسة، وسمعت بأذني كلمة "يغور هو واولاده من المدارس" بعد ان التحق آخر ابن لي بالجامعة. ولا مفر من النفس الطويل ما دامت الدولة عاجزة عن ايجاد تعليم يجعل الشاب والبنت يثقان في نفسيهما، وكيلا ننتج اعدادا هائلة تكره نفسها وتكره المجتمع الذي تنتمي إليه. وقد يفضل بعضهم الموت غرقا علي ساحل إيطاليا دون ان يحقق حلم الهرب من المحروسة.