بعد أن وضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مبادرته للحوار الوطني بين اطراف النزاع فتح وحماس، تظهر في المشهد السياسي العبر المستخلصة من الدرس اللبناني فبالنسبة للفلسطينيين فإن المصالحة اللبنانية تعني الكثير ومتعددة الدلالات والتي يمكن اعتبار احداها ضرورة أن تجيء الاتفاقات والتوافقات في الوقت المناسب حيث لا معني لاتخاذ موقف سياسي ايجابي من استحقاق ما في الوقت غير المناسب أو بعد أن تمضي الفرصة والشواهد كثيرة علي ذلك فالفلسطينيون اختاروا منذ عامين وأكثر طريق الشراكة السياسية وتوصلوا إلي اتفاق مهم جدا في مكة لكن عدم رعاية هذا الاتفاق ومن ثم الانقلاب عليه يجعل الآن -وهذا ما اثبتته التجربة لعام مرير مضي- ان الحديث الآن عن حوار غير مشروط مثلا أو العودة الي التوافق بنفس الأدوات هو حديث لا طائل منه ولا جدوي. ورغم الترحيب العربي والدولي للمبادرة التي أعلنها الرئيس عباس بشأن المصالحة الوطنية وإعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية انها لا تعارضها وابداء دمشق استعدادها للمساعدة في انجاحها واستعداد القاهرة لاستضافة الحوار فإن التخوفات من إمكانية فشلها كسابقاتها تسيطر علي الاجواء السياسية الفلسطينية والمرحبة في كل الأحوال بأي حوار وطني فلسطيني يفضي إلي حل للحالة المستعصية التي وصل إليها الحال الفلسطيني كخطوة من شأنها إعادة اللحمة وانهاء الانقسام الداخلي علي قاعدة رعاية مصالح الشعب الفلسطيني للحفاظ علي حقوقه وثوابته بعيدا عن أية اشتراطات، لذا فإن حوارا من هذا النوع يتطلب خطوات فورية يأتي علي رأسها وقف حملات التحريض واخلاء سبيل كل المعتقلين علي خلفية الانتماء السياسي والشروع بخطوات تعزيز الثقة. الموقف الحالي بين الحركتين فتح وحماس مازال بعيدا إذ بعد يومين من إطلاق الرئيس عباس مبادرته للحوار الوطني تراجعت فرص حدوث حوار مباشر بينهما بعدما صدرت تصريحات عن قادة الحركتين تستبعد حدوث الحوار المباشر في هذه المرحلة علي أقل تقدير ففي حركة فتح يقولون إن عباس يبحث عن راع عربي للعب الدور المركزي في الحوار الوطني والتحاور مع حماس علي كيفية التراجع عن الانقلاب ولعب دور أساسي في إعادة بناء اجهزة الأمن وأغلب الظن ان حوارا كهذا سيبدأ عمليا من وجهة نظر فتح عندما تبدي حماس استعدادا لتسليم أجهزة الأمن من قطاع غزة إلي الطرف العربي الذي سيتولي اعادة البناء علي أسس مهنية بعيدة عن الحزبية. أما في حركة حماس فحمل الترحيب بمبادرة عباس اشارات كثيرة الي عدم استعداد الحركة عن التراجع عما حققته في سيطرتها علي قطاع غزة بالقوة المسلحة خاصة بعد أن وصف القيادي في الحركة وممثلها في لبنان أسامة حمدان مبادرة عباس ب"الصحوة المتأخرة" لكن ذلك لم يمنع علي الأقل حتي الآن من خفض الجانبين حملات التحريض التي يقوم بها الواحد منهما ضد الآخر. إن الاعلان بصورة مفاجأة من قبل الرئيس عباس مبادرته للحوار الوطني الشامل لتطبيق المبادرة اليمنية والتي تتضمن سبع نقاط تأتي في إطار الضعف العام الذي أصاب الموقف الفلسطيني خاصة بعد الاخفاق الواضح في المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية وعدم تقدمها قيد أنملة بعد مؤتمر أنابوليس في نوفمبر الماضي ثم الإعلان عن وجود اتصالات سورية - اسرائيلية تؤكد الوقائع والتصريحات التي تصدر عن المسئولية الإسرائيلية تقدمها بشكل واضح وهذا يدعو لمن يبحث عن حلول للمأزق الفلسطيني القائم منذ عام ان يأخذ بعين الاعتبار ان التوصل إلي الاتفاق المناسب الآن أفضل منه غدا، فلا يجوز علي الفلسطينيين ألا يتعلموا من تجاربهم ويضطروا في النهاية كما يحدث دائما بأن يقبلوا غدا ما يرفضونه اليوم حين يصبح قبولهم بلا ثمن تقريبا وتصبح الشروط أسوأ ومثل هذه الملاحظات موجهة بشكل أساسي إلي طرفي الصراع فتح وحماس اللذين مازالا غير قادرين أو غير جاهزين للتوافق حيث لكل منهما شروطه التي لا يتراجع عنها مع انه كان هناك فرص عديدة متاحة في السابق بأن يكون هناك حل وسط ممكن يحقق المصلحة الوطنية ويحقق كذلك ليس فقط المصالح الاستراتيجية لفريقي الخلاف الداخلي بها وحتي معظم مواقفهم المعلنة بما يحفظ ماء الوجه للجميع حتي تجاه محاسبيهم وأنصارهم. وفي هذا السياق لا يمكن اغفال الدور الإسرائيلي الرافض لأي مصالحة وطنية والحريص كل الحرص علي شق الصف الوطني الفلسطيني بما يخدم مصالحه وأهدافه فاسرائيل التي قللت من أهمية دعوة الرئيس عباس لبدء حوار علي حماس تستعد هذه الأيام لشن هجوم واسع النطاق علي قطاع غزة فاولمرت الذي كان يعارض بشدة عملية اجتياح كبري علي قطاع غزة غير رأيه وأبلغ باراك بأن الوضع لم يعد يحتمل بعد السكوت علي صواريخ القسام وأمثالها واعلن اولمرت حال عودته من الولاياتالمتحدة ان العملية الحربية الارضية الكبيرة باتت اقرب من التهدئة في قطاع غزة. إن دعوة عباس التي فاجأت حلفاءه وخصومه علي حد سواء تظهر اكتشاف عباس صعوبة التوصل الي اتفاق مع الاسرائيليين الذين يستخدمون الانقسام كعقبة في طريق احراز أي تقدم وهو بذلك أراد ايصال رسائل للاسرائيليين توضح أن لدي الفلسيطينيين خيارات أخري لذا علي الفلسطينيين ان يرتفعوا فوق المصالح الضيقة ويبذلوا المزيد من الجهد لانجاح الحوار وبالتالي المصالحة الوطنية التي وحدها ستقف سدا منيعا امام اتساع الفجوة بين فريقي التفاوض الفلسطيني والاسرائيلي حول مجمل القضايا النهائية وتحديدا القدس التي يريدها الإسرائيليون عاصمة موحدة لهم بالاضافة الي ذلك سيجعل الجميع يقف صفا واحدا في مواجهة أي عدوان عسكري اسرائيلي محتمل يهدد الشعب الفلسطيني في حياته ووجوده واستمراريته.