المؤكد ان المجتمع المدني مازال غير مؤهل للشراكة مع الحكومة في تحقيق التنمية البشرية، ومازال امامه الكثير من النضج ليكون قادرا علي القيام بدوره كشريك اساسي في هذه العملية. ونحاول في هذا التقرير رصد الواقع غير الجميل للمنظمات غير الحكومية المصرية والمشاكل التي تعوقها وتحد من دورها، وبالتالي يكون حلها احد المقدمات الاساسية فهو مجتمع عصري يجاري التطور الهائل في طبيعة عمل ودور وتأثير هذه المنظمات في اغلب دول العالم. وهكذا كانت الصورة الواقعية لهذه المنظمات كما رصدها تقرير التنمية البشرية. والرهان الذي يقوم عليه تقرير التنمية البشرية يعتمد علي مجتمع مدني غائب عن مصر كما يقول التقرير، ويرجع ذلك لعوامل تاريخية بدأت مع نظام الدولة المركزية بعد ثورة 1952 حيث يقول انها نحت جانبا القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني بأسره واستبعدتها صراحة او ضمنا بدعوي ان الدولة تمثل المجتمع بأسره، وقد حاولت الثورة معالجة مشكلة الفقر واقامة "دولة الرعاية الاجتماعية" ولكن دولة "الرعاية" كما يصفها التقرير عجزت ماليا عن الاستمرار وتلا ذلك سياسة الانفتاح التي كانت تهدف الي قيام القطاع الخاص بتوفير الموارد المطلوبة لاستمرار المزايا العامة للرعاية ومنحت القطاع حقوقا لتنظيم مصالحه "كإنشاء جمعيات رجال الاعمال" ومع ذلك كانت نظرة المستويات الوسطي والدنيا من الجهاز الاداري الضخم للدولة والطبقة العاملة والنقابات الي الاصلاح الاقتصادي بأنه ضد مصالحهم لان فرص وصولهم الي مرتبات افضل تضاءلت واصبح الفقراء رهائن للسلع العامة المنخفضة الجودة والاسعار مع اتباع الدولة سياسة التقشف ومع مرور الزمن اصبح عرض الخدمات الرعاية والخدمات الاجتماعية يتناقص باضطراد واصبح سببا في وجود عدد كبير من منظمات المجتمع المدني. وكانت التحويلات التاريخية في مصر بين دور الدولة ودور المجتمع المدني متشابهة الي حد كبير بالتحولات العالمية حيث يلفت التقرير الي ان مفهوم المجتمع المدني قد اعاد في الثمانينيات اوالتسعينيات الي قلب العلوم الاجتماعية في ظل التشكك في قدرة الدولة علي الاسهام بفاعلية في الحياة الاقتصادية للمجتمعات في سياق ازمة دولة الرفاهة في البلاد الصناعية المتقدمة وانهيار الدولة الشيوعية في اوروبا الشرقية، وفي هذه الظروف عاد مفهوم المجتمع المدني باعتبار ان هذا المجتمع قادر علي سد الفراغ الذي ستتركه الدولة جراء انسحابها النسبي من النشاط الاقتصادي. غموض وعقبات وعلي الرغم من الاعتراف بأهمية المجتمع المدني في مصر يواجه الان عقبات تتمثل في تضييق المجال امام النشاط العام تحت دعاوي "تهديد الامن القومي" بحسب وصف التقرير، ويتعين علي الدولة كما يقول التقرير ان تتعامل مع هذه المفارقة وهي انها لا تستطيع ان تتجاهل الاحتجاجات ولا ان تسمح لتلك الاحتجاجات بتهديد استقرار النظام ومن ثم فان عمليات التوقف مرات والبدء مرات في التحول الديمقراطي والمعدل البطيء للتحرر الاجتماعي والسياسي لا يتماشي ولا يتسق مع نجاح التحرر الاقتصادي. ويؤكد التقرير ان هناك تشديدا للرقابة علي مصادر تمويل منظمات المجتمع المدني وعلي اجراءات التسجيل وعلي انشطة المنظمات الاهلية وينبه في مقطع اخر الي انه علي الرغم من ان قانون الجمعيات الاهلية يحدد السلطة التنفيذية المشرفة وهي وزارة التضامن الاجتماعي فإن "الامن" يحتفظ بوجود دائم له داخل وزارة التضامن ويلعب دورا مهما في الاشراف علي منظمات المجتمع المدني وهذا الدور ليس مصرحا به في القانون ولا الدستور، ويرصد التقرير نقاط ضعف المجتمع المدني في مصر موضحا انه وفقا لبيانات عام 2007 تقدر ايرادات الجمعيات الاهلية 150 و15 جمعية" برقم متواضع وهو 2 مليار جنيه ايرادات، كما ان بيانات وزارة التضامن لعام 2006 تشير الي ان 249 جمعية فقط هي التي حصلت علي "تمويل اجنبي" يبلغ 300 مليون جنيه تقريبا. وبجانب ضعف تمويل المجتمع المدني يواجه المجتمع المدني مشكلات تتعلق بأسلوبه في ادارة الجمعيات من حيث "غموض وتعدد اهداف المنظمات" وعدم اهتمام الكثير منها بتقييم اعمالها وضعف التحالفات بين الجمعيات وغياب ثقافة التطوع بين الشباب، الي جانب هذا كله عدم اهتمام الدولة بإشراكه في التخطيط حيث يقول التقرير انه نادرا مايعتبر المجتمع المدني شريكا علي قدم المساواة في عمليات التخطيط المبدئي اوصياغة الخطط ومشاركته عادة ماتقتصر علي جلسات التشاور".. علاوة علي التعقيدات التي يلقاها المجتمع المدني ازاء بعض الاجراءات الحكومية.