* فاجأ طرفا الصراع حركتي فتح وحماس الجميع بالتوقيع علي "إعلان صنعاء" في اليمن، لينطلق بعدها حوار كان قد انقطع حول مجمل القضايا المعلقة بما فيها انهاء حالة الانقسام الفلسطيني والمصالحة الوطنية الشاملة، غير أن هذا الاتفاق لم يمر مرور الكرام إذ كان مشمولا بتصريحات تشكيك لا تبعث علي التفاؤل، بالإضافة إلي حملة الاتهامات المتبادلة فيما بينهما، ومحاولة كل طرف تحميل مسئولية الفشل للطرف الآخر متذرعا بعدم رغبته في انجاح الاتفاق والعودة للحوار. نقطة الخلاف الرئيسية التي واجهت صنعاء من الوفدين هي تراجع حركة حماس عن سيطرتها علي قطاع غزة علما بأن المبادرة اليمنية تنص علي تراجع حماس عن الإجراءات التي قامت بها عقب سيطرتها علي قطاع غزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإعادة بناء أجهزة الأمن علي أسس مهنية، وإجراء انتخابات عامة جديدة. حماس التي أبدت تحفظا شديدا علي البند الأول في المبادرة اليمنية كان تحفظها من منطلق طرح التساؤلات التي تهمها بالدرجة الأولي مثل ماذا يعني عودة الوضع إلي ما كانت عليه الأمور في قطاع غزة؟ هل تعني عودة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية؟ هل تعني عودة مستشار الأمن القومي محمد دحلان؟ هل تعني العودة إلي اتفاق مكة؟ هل تعني عودة الرئيس عباس عن المراسيم التي وقعها؟ ورغم أهمية هذه التساؤلات خاصة بالنسبة لحركة حماس والتي ستكون الإجابة الواضحة علي أي منها بمثابة نسف للمبادرة برمتها فإن الجانب اليمني تجنب الدخول في التفاصيل إذ كان هدفه تمهيد الأرضية لجمع الحركتين علي بعضهما البعض. والواضح أن اليمن بذلت جهودا كبيرة لبقاء وفد حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية في صنعاء يوما إضافيا تلبية لدعوة الرئيس اليمني كمحاولة أخيرة للتوصل إلي انفراج في مساعي المصالحة في جو مشحون بالتشكيك في امكان انجاح محادثات المصالحة، ووسط تضارب الأنباء حول ماهية ما تم التوقيع عليه، وتفسير كل طرف للإعلان بحسب قناعاته ومفاهيمه الخاصة. إعلان صنعاء سرعان ما اصطدم بانتقادات حادة من السلطة الوطنية الفلسطينية معتبرة أن التوقيع تم دون الرجوع إليها الأمر الذي نفاه ممثل منظمة التحرير الفلسطينية وعضو الوفد المفاوض عزام الأحمد وهذا في حد ذاته يعطي الفرصة للتكهنات بما سيئول إليه الوضع فيما بعد؟ وإذا كان التوقيع علي إعلان صنعاء جاء بعيدا عن موافقة قيادات الحركتين، فهل تم تحت ضغوط يمنية لما هو معروف عن اليمن من خبرتها العميقة في الموضوع الفلسطيني إذ ساهمت في مطلع الثمانينيات في رأب الصدع الذي نشأ إثر الانشقاق الذي رعته سوريا في ذلك الوقت وكاد هذا الانشقاق يطيح بوحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية، وهل أراد الرئيس علي عبد الله صالح إلزام الطرفين أمامه بإجراء المصالحة والعودة للحوار رغم التجاذبات الحادة والتراجع أكثر من مرة خاصة من قبل حماس للتوقيع علي الإعلان والاتهامات المتبادلة حتي اللحظة الأخيرة. وبالرغم من أن "إعلان صنعاء" تم التوقيع عليه وانتهي الأمر، إلا أن الحذر والترقب خاصة بعد ما رشح من تصريحات متناقضة للطرفين لايزال سيد الموقف لما للطرفين من مواقف سابقة مشابهة أدت إلي انهيار اتفاقات سابقة أبرمت فيما بينهما، يأتي علي رأسها اتفاق القاهرة في مارس ،2005 واتفاق مكة في فبراير 2007 الذي تشكلت بموجبه حكومة الوحدة الوطنية التي لم تصمد طويلا بعد أن فاجأها الانقلاب الحماساوي المسلح في منتصف العام الماضي، والذي زلزل عرش السلطة الفلسطينية في قطاع غزة ولاتزال تداعياته تتوالي حتي الآن. إن اتفاق صنعاء إن صدق قد يجب الكثير من التجاوزات والعداء المتبادل علي مدار الشهور الماضية، وقد يعطي الفرصة للطرفين لسلك طريق جديد ربما يكون الفاتحة لغد أفضل.. فالمبادرة اليمنية تملك كل العناصر والآليات المطلوبة للحل، فهي تنطلق من إعادة الأمور إلي ما كانت عليه قبل أحداث الصيف الماضي وهي ترتكز علي تكريس الاعتراف بالشرعية الفلسطينية وهياكلها ونصوصها الدستورية والقانونية، كذلك الاعتراف الواضح الصريح بالشرعيات العربية والدولية، علي اعتبار أن هذه الشرعيات الوطنية والعربية والدولية هي القواعد التي يرتكز عليها النظام السياسي الذي لابد من إعادة بنائه، علي قاعدة الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية ووحدانية السلطة والسلاح. وفي هذه المرحلة الحرجة، ربما يكون هناك ضرورة ملحة للامتناع عن اتخاذ أية خطوات أو قرارات من شأنها تعميق الانقسام والحاجة ملحة لتهيئة الأجواء المناسبة لتفعيل الاتفاق، قد يكون بتشكيل لجنة وطنية مستقلة من شخصيات ذات كفاءة وتحظي بالثقة العامة وصلاحيات كاملة لتقصي الحقائق والتحقيق في أسباب الأزمة من جذورها، واقتراح الحلول المناسبة ومعالجة ذيول ما نتج عنها، منعا لردود الأفعال الثأرية، والانتقامية، والتراكمات، فبدلا من تضارب التصريحات حول "اتفاق صنعاء" بين فتح وحماس واثارة اللغط بين الطرفين وتقديم تفسيرات متباينة لبنوده، واندلاع الجدل فيما بينهما حوله يبقي النظر إلي المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وما تكبده من معاناة طويلة وقاسية طوال الفترة السابقة هو الأساس الذي لابد أن يضعه كلا الطرفين نصب أعينهما في حالة تطبيق الاتفاق أو أي اتفاق آخر!!