سيغير القرن الحادي والعشرون الكثير من قناعاتنا بشأن الحياة الاقتصادية فالقرن العشرون شهد نهاية السيطرة الأوروبية علي مقدرات العالم السياسية والاقتصادية وسوف يشهد القرن الحادي والعشرون نهاية السيطرة الأمريكية حيث ستنمو قوي جديدة تضم الصين والهند والبرازيل ليكون لها صوت مسموع في شئون العالم. وتقول مجلة "تايم" ان تغيرات هذا القرن ستكون أعمق من مجرد اعادة صياغة التوازنات الاقتصادية والجيوبوليتيكية، فتحديات التنمية المستدامة وحماية البيئة واستقرار تعداد سكان العالم وتضييق الفجوات بين الفقراء والاغنياء والقضاء علي الفقر المدقع ستغير من فكرة تصارع الأمم علي الأسواق والسلطة والموارد. ويمكن القول ان التحدي الاساسي للقرن الحادي والعشرين هو مواجهة حقيقة كون البشرية كلها تخضع لمصير مشترك علي كوكب مزدحم. فقد دخلت البشرية القرن الحادي والعشرين وتعدادها 6.6 مليار نسمة تعيش علي اقتصاد عالمي متداخل حجم انتاجه السنوي يناهز 60 تريليون دولار. وقد انتشر البشر في كل مكان من ثلوج التندرا إلي الغابات الاستوائية الممطرة وحتي الصحراء. وفي بعض المواضع فان تعداد البشر يفوق حجم الموارد وهو ما ادي إلي جوع مزمن وتدهور للبيئة وعمليات نزوح واسعة للبشر اليائسين. وباختصار فكل منا يواجه الآن علي نحو غير مسبوق زحام البشر في مجتمع متداخل يتميز بالتجارة العالمية والهجرة ومخاطر انتشار الامراض والارهاب وحركات اللجوء والصراعات. كذلك تواجه البشرية خيارا عاجلا بين الاستمرار علي ما هي عليه بما يعنيه ذلك من تفاقم الصراعات بين من يملكون ومن لا يملكون وتكثيف الكوارث البيئية، وتراجع مستويات المعيشة وحدوث ازمات في الطاقة والمياه والطعام وانفجار الصراعات العنيفة وان تتجه البشرية إلي التعاون من اجل استثمار جزء ضيق من الدخل العالمي لابتكار تكنولوجيات جديدة وطاقة نظيفة وموارد غذائية كافية مع السيطرة علي الامراض والقضاء علي الفقر المدقع أو باختصار فإن علينا بدلا من ان يواجه بعضنا بعضا ان نتعاون من اجل وضع حلول عالمية للتهديدات المشتركة وعلينا هنا ان نلاحظ ما يحدث علي الارض من تغيرات غير مسبوقة في تاريخ الانسان. أول هذه التغيرات ان انتشار النمو الاقتصادي يعني ان العالم يصبح اكثر غني وان الفجوة في متوسطات دخل الفرد بين الاغنياء "الولاياتالمتحدة وأوروبا" وبين بقية العالم النامي وخاصة آسيا تضيق بسرعة كما ان النمو السريع في آسيا التي تضم اكثر من نصف سكان العالم سيجعلها مركز جاذبية الاقتصاد العالمي. ثانيا: ان سكان العالم سيستمرون في الزيادة وان هذا سيؤدي إلي زيادة النمو في الاقتصاد العالمي وان انتاج العالم سيصبح مع منتصف القرن الحالي أضعاف ما هو عليه الآن. ثالثا: ان الزيادة السكانية والاستخدام الشره لموارد الارض سيؤدي إلي ازمات بيئية غير مسبوقة تصل إلي حد تغيير المناخ نفسه علي مستوي العالم. رابعا: رغم ان كثيراً من الفقراء يتحسن وضعهم إلا ان الناس الاشد فقرا سيظلون في القاع وهناك الآن 10 ملايين طفل يموتون سنويا بسبب الفقر وهو امر يؤجج العنف في مناطق مثل القرن الإفريقي والشرق الأوسط ووسط آسيا. وهي مناطق تعاني من الجفاف وندرة الموارد وتتفشي فيها الاصولية العنيفة والتي صارت مرادفا للفقر والجوع وندرة المياه واليأس. وتقول مجلة "تايم" ان هذه التحديات لم تغب عن أعين قادة العالم وانهم وضعوا لها بعض الحلول واحرزوا قدرا من التقدم في العشرين سنة الاخيرة ولكن كثيراً من هذه الحلول ايضا لم يوضع بالكامل موضع التنفيذ وعلي قادةالعالم ان يضعوا ذلك في اعتبارهم. فلو ان تريليونات الدولارات التي انفقت علي الحرب في العراق قد جري استثمارها بدلا من ذلك لصنع طاقة نظيفة والسيطرة علي الامراض وابتكار تكنولوجيات جديد وزيادة انتاج الطعام لما حدث ما نراه اليوم من ضعف للدولار وارتفاع جنوني لأسعار الطعام والطاقة. ونستطيع ان نحدد 4 اهداف طموحة ولكنها قابلة للتحقيق أمام العالم في الفترة القادمة وهي أولا: وضع انظمة مستدامة للتعامل مع الطاقة والارض والمورارد تجنبنا لما نحن مقبلون عليه من تغيرات مناخية خطيرة. ثانيا: العمل علي ألا يتجاوز تعداد العالم 8 مليارات نسمة عام 2050 وباستخدام وسائل جادة لتقليل الخصوبة وما لم يحدث ذلك فإن تعداد العالم سيزيد علي 9 مليارات نسمة مع منتصف القرن. ثالثا: إيجاد وسائل جديدة للتعاون العالمي وتفعيل القطاع غير الحكومي في مختلف المجالات. رابعا: القضاء علي الفقر المدقع بحلول عام 2025 وتحسين الأمن الاقتصادي في الدول الغنية ايضا. وتحقيق هذه الاهداف الاربعة يحتاج إلي تعاون عالمي يستند إلي هدف واضح وتكنولوجيا فعالة واستراتيجية تنفيذ معروفة ومصدر للتمويل. ولابد ان نذكر ان تحقيق هذه الاهداف ليس مسألة صعبة مادمنا اخترنا الطريق السليم لتحقيقها وعلي سبيل المثال فإن حماية البيئة وكبح الزيادة في سكان العالم والقضاء علي الفقر المدقع هي أمور لن تصلح فيها آليات السوق بل لابد ان تتدخل الحكومات في تحقيقها علي النحو الصحيح. وعلي سبيل المثال ايضا فإن القضاء علي مرض إفريقي قاتل هو الملاريا لا تتجاوز تكلفته 1.5 مليار دولار خلال خمس سنوات وهو مبلغ يقل عما ينفقه البنتاجون الأمريكي في يوم واحد علي ما يقوم به من حروب وباختصار فإن التحديات واضحة والطريق إلي مواجهتها ليس مجهولا ولكن تبقي الإرادة التي تشد العالم إلي السير علي هذا الطريق حتي لو كان ذلك سيقودنا في النهاية إلي انتهاء السيطرة الأمريكية علي مقدرات العالم.