حين تقوم بحصر عدد دقائق الحياة في العام الواحد، ستجدها مطابقة لعدد الخريجين سنويا الذين يطلبون الالتحاق بسوق العمل في بر مصر المحروسة. هكذا حسبها العقل المتفوق إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية، وهو يندد ويرفض استمرار حال التعليم المصري علي ما هو عليه. واسماعيل سراج الدين لا يثور، ولا يزايد ولا يطلب لنفسه منصبا، فقد وصل الي ارقي ما يتمناه مثقف لنفسه وهو أن يفيض بأفكاره علي المجتمع المحيط به لعل هذا المجتمع يخرج بأبنائه من قوقعة الضجيج المطالب بتحسين الحياة الي حركة يصنع بها الحياة اللائقة به. وما أشد احتياجنا الي صناعة الحياة التي تليق بنا في زمن تتسابق فيه الدول الي صيانة مستقبلها بعدم تضييع فرص الحياة امام شبابها. وأظن اننا شبعنا من مناقشات تطوير التعليم، وكرهنا كلمة "الدراسة" لأننا اختزلناها في حكاية الحصول علي الشهادة. ولست أنسي أبدا حكاية الشاب الهندي الذي استضافته مكتبة الاسكندرية منذ قرابة العام، وهو بانكر روي هذا الذي حصل علي ارقي الشهادات الجامعية، ثم عاد الي الهند ليبلغ اسرته انه لن يعيش في المدينة بل في القري الجبلية، وطبعا انزعجت الاسرة، فهي لم تصرف آلاف الجنيهات التي تعلم بها في الخارج من اجل ان يقضي الشاب بقية عمره في الريف بكل ما يحمله من أدران وأوجاع. واستطاع هذا الشاب من خلال حزب المؤتمر الهندي ان يؤسس جامعة للحفاة، أي أهل القري، وحول بعضا من افكارهم التي تبدو كالأحلام المستحيلة الي واقع حياتي يومي، فهو من استمع لعجوز علي قمة جبل يشكو من العطش عن حلم اصطياد المطر، وقرر بانكر روي ان يبني بيتا له سقف يصطاد المطر ليخزنه في خزان خرساني أو معدني أسفل البيت، ثم صنع سخانا شمسيا مهمته توليد الطاقة لتدور به آلة لرفع الماء المخزن الي البيت. واصبحت هناك في الهند تجربة رائدة وهي صناعة سخانات شمسية رخيصة وزهيدة الثمن وتقوم بصيانتها سيدات ريفيات لا يجدن فك الخط. وإذا كانت مثل هذه التجارب العملية التي تخدم الحياة موجودة في العالم كله، فلا أقل من أن درس ماذا نحتاج من شبابنا كي نعلمه اياه في دورات تدريبية داخل الكلية أو المدرسة، وهنا يمكن ان نوفر للشباب فرصة عمل مع الشهادة التي يسعي اليها كل بيت، علي الرغم من انهيار مستوي الشهادات، فضلا عن ان العديد من فرص العمل لا توجد، وعديد من الشباب الذي تلقي تعليمه الجامعي او المتوسط يبحث عن اي عمل حتي ولو عامل في محطة بنزين او بائع خبز. وإذا كان اتحاد الصناعات يعلن بالصحف ومحطات التليفزيون عن إعادة تدريب الباحث عن عمل كي يلتحق بمراكز التدريب، فسؤالي الجوهري هو: لماذا لا يتم الاعلان عن مراكز التدريب تلك في الجامعات مع قرب الاجازة الصيفية لعل اعدادا من الطلبة تتجه اليها لتنقذ نفسها من وضع خريج جامعي معه شهادة ليس له فرصة عمل. ويا اتحاد الصناعات فلتتجه بالدعوة لمراكز التدريب تلك في الجامعات المصرية، لعل وعسي نستطيع امتلاك قوة ضاربة من القادرين علي العمل الذي يحتاجه السوق المصري او العربي.