أحب التجول فى حديقة أفكار إسماعيل سراج الدين، ففيها الكثير من أشجار المعرفة التى يمكن أن تزيح الهم عن القلب. وعلى الرغم من أنه يحاول دائما الرفرفة بأجنحة ثقافته عن الصراع السياسى اليومى، فإنه يمتلك لخبرة غير عادية على الإبداع العلمى وعلى ايقاظ الروح الفعلية لمعنى أن تكون مسلما فالعقل المسلم ليس هو العقل الراضخ ولكنه العقل الذى يقدم الشك والرفض قبل أن يبدأ بالتسليم بحقائق الحياة على الأرض وطرق استكشافها فلا توجد فى أى شريعة قدرة على ايقاظ الرفض قدر قول المسلم "لا" منكرا أى ألوهية غير ألوهية الله فكلنا نقول "لا إله إلا الله" ونشهد بأن محمدا رسول الله ومجرد التجريد للألوهية هو فى حقيقته دعوة للبحث العلمى، ومن يتأمل آيات القرآن سيجد الحث على البحث والتمحيص والتدبر والتفكر ولكن عصورا كثيفة من الانحطاط جعلت العقل المسلم المعاصر مجرد عقل تابع. ويقتحم إسماعيل سراج الدين تراث الأقدمين ليستخلص منهم أسلوب حياة يليق بالمسلم فى القرن الواحد والعشرين فينتج من خلال مكتبة الإسكندرية برنامجا يوميا لمدة خمس دقائق عن حياة عالم من علماء المسلمين فى شتى فروع العلم يقدم الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية يوميا على القناة الأولى فى الرابعة والثلث من بعد ظهر كل يوم. ولا يمكن ان ننظر إلى الدين وكأنه مجرد طقوس فالأركان الأساسية فى الدين تخص كل فرد حسب طاقته ولكن لا حدود للتفكير والتعقل والتدبر. وحين يسلط إسماعيل سراج الدين الضوء على حياة علماء المسلمين فلابد أنه سوف يلمس بشكل مهذب كيف ساعدهم مجتمعهم على البحث العلمى فالمسألة ليست ترديد بعض من منجزات من عاشوا قبلنا وتأملوا الكون وعكفوا فى معاملهم أو أبحاثهم كى يتدبروا أحوال الكون، ولكنه أسلوب حياة اجتماعية يوفر للعالم أسلوب حياة كريمة. ولعل فى هذا البرنامج الجديد دفعة للحكومات والمنظمات العربية ان تكفل لأهل العلم والبحث أسلوب حياة يكفل لهم اقتحام القرن الواحد والعشرين فما أكثر الجامعات العربية وما أبشع قلة الأموال الكفيلة بتشجيع البحث العلمى. وإذا كان رمضان هو شهر التكافل فى الطعام والشراب والصدقات فلا أقل من أن ترصد أموال لتطوير حياة العلماء فى أركان المجتمع العربى المسلم. فليست المسألة هى عقد اجتماعات وتكثيف نداءات ولكنه المال العربى المكدس فى بنوك العالم يؤدى دورا فى ترقية أسلوب حياة الغرب بينما حياتنا تمشى بأسلوب "محلك سر" فالفلك يلقى لمرة أولى -ونادرة- احتراما حين أعلنت أغلب الدول الإسلامية هذا العام صيامها على ضوء العلم لا على ضوء الرؤية البصرية التى تختلف من إنسان إلى آخر ولابد أن ينسحب ذلك على الطب والرياضيات وغير ذلك من فروع العلم. ولعل اختيار الرابعة والثلث من كل يوم كموعد لإذاعة البرنامج فرصة كى نرسخ فى الوجدان كيفية الأسلوب العلمى فى الحياة اليومية لأن هذا التوقيت هو من أشد التوقيتات تأثيرا فى حياة الصائم ولنا فى تجربة الشيخ الشعراوى المثل حين كان يذيع برنامجه فى مثل هذا الوقت واستطاع من خلال التوقيت ان ينشر حلاوة الإيمان ونتمنى أن ينشر إسماعيل سراج الدين حلاوة العلم. أتابع البرنامج لا لأن إسماعيل سراج الدين صديقى ولكن لأن العلم يحتاج منا إلى إعادة فهم.