الصحة العامة، والزراعة، والهندسة، والبيئة، هي المجالات الاربعة التي يمكن ان يتقدم فيها العالم النامي لعله يصل الي درجة من التقدم تقيه شر الاحتياج المهين المفروض عليه حاليا من العالم المتقدم. هكذا رأيت في كلمة اسماعيل سراج الدين اثناء تدشين مليون محاضرة علي واحد من مواقع الانترنت الخاصة بمكتبة الاسكندرية كي يستفيد منها الباحثون في تلك المجالات، وجاء ذلك بتمويل من الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية وبالتعاون مع هيئة الصحة العالمية في بطرسبرج. طبعا حضر حفل التدشين د. فينت سيرف، ابو الانترنت ونائب رئيس شركة جوجل، والدكتور رونالد لابورتيه، مدير الاتصالات ومراقبة الامراض بمنظمة الصحة العالمية، وعدد لا يستهان به من علماء مصرفي هذا المجال، ومن الفوائد التي اعلن عنها اسماعيل سراج الدين ان تلك المحاضرات سوف تطور من اسلوب التعليم بطريقة تضمن سرعة الفائدة من التقدم العلمي في تلك المجالات الاربعة الصحة والبيئة والهندسة والزراعة. فالعالم يعيش الان في عصر جديد تغير فيه تصور التصنيع والتقدم الذي كان سائدا في الماضي، لتنبع كل الثورات الان من المستوي المعرفي الجديد او التكنولوجيا والتي اصبحت تميز المجتمعات المتقدمة عن تلك النامية. واكد ان الثورة المعرفية في مرحلة نهاية البداية، الا ان من اهم ظواهرها سرعة التغيير، فالكم المعرفي يتضاعف كل 18 شهرا، وهناك الان فروع كاملة من العلم لم تكن موجودة قبل عشر سنوات، وعلي هذا الاساس لا يمكن ان يستمر الحال في البلدان النامية علي الحالة الموجودة الان. وبطبيعة الحال، لا اظن ان الجامعات المصرية تملك فكرة ما عن وجود تلك الكنوز العلمية، فضلا عن حالة من الشك في ان اسلوب الدراسة الحالي بالجامعات المصرية يمكنه الاستفادة من تلك الثروة التي تتيحها مكتبة الاسكندرية للتطور في العلوم المختلفة. ولذلك فأنا اتمني ان تعقد مكتبة الاسكندرية حلقات نقاش لرؤساء الجامعات، ثم للأساتذة، وتكون تلك الورش فرصة لاعادة تدريب اساتذة الجامعات علي التعامل مع الواقع المعلوماتي الحالي، وحين اقول ذلك فليس في قولي انتقاص لقدرات الاساتذة، فالجميع يعلم ان "التعلم المستمر" هو الوسيلة الفعالة للحياة في القرن الحادي والعشرين، ويشترك في تلك المسئولية الطالب والأستاذ، فلا الطالب يمكن ان يتعلم فقط. ولا الاستاذة يمكن ان يظل اسير دور المعلم، فكلاهما الاستاذ والطالب في احتياج للتعلم المستمر. وحين انظر الي بعض من العقول التي تدير جامعاتنا الحالية اكاد اري التشابه بينها وبين الانكشارية التي كانت تدير الجيوش في اواخر عهد الامبراطورية العثمانية، فقد كان قادة الانكشارية يرفضون التعامل مع الاسلحة الحديثة، ويصرون علي القتال بالسيف، وكانت النتيجة اندثار الامبراطويرةالعثمانية، لان القادة يرفضون التطور ويبحثون عن متعة النفوذ وفرض الولاء علي الأتباع. تري، هل تظل مكتبة الاسكندرية هي الموقع الذي يسبب لي ارتفاع ضغط الدم نتيجة الهوة الشاسعة بين ما يدور فيها من احلام التقدم، وبين الواقع الذي يئن تحت وطأة التخلف؟ لن اقول "منك لله يا اسماعيل سراج الدين"، ولكني اقول: لماذا لا نبدأ في زراعة الرغبة في التقدم عند العقول التي تدير العملية التعليمية والعلمية في بلادنا؟ أظن ان تلك واحدة من اخطر مهام مكتبة الاسكندرية.