اذا كانت حركة حماس قد اعتقدت بمحاولة توظيف مأساة المواطنين في غزة، ان بامكانها تغيير قواعد اللعبة علي المستوي الداخلي والخارجي واعادة ترتيب الأوراق بما يمكنها من العودة للإمساك بزمام الأمور خاصة فيما يتعلق بالرأي العام الداخلي الفلسطيني، والذي كان يعلن عن سخطه علي الاحتلال وحصاره وتحمله المسئولية، فإن تداعيات ما حدث في معبر رفح بعد اقتحامه اثبتت عكس هذه التوقعات. ما يدلل علي ذلك اعتراف مسئول من حركة حماس بتأزم الأمور بين الجانبين "المصري وحركة حماس" إلي حد غير مسبوق، اذ قال ان الوضع متأزم جدا، وان الأمور غير مريحة وان ما قيل عن الانفراج لا أساس له من الصحة. وبحسب المصدر فإن الجانب المصري استمع لوفد حماس بقيادة خالد مشعد الذي زار القاهرة إبان أزمة اجتياح الحدود، لكنه لم يعط أي وعود من أي شكل، خلافاً لما قيل كما انه ليس هناك أية اتفاقات حول الحدود والمعابر كما أعلن البعض بل كان الحديث بشكل عام عن امكانية تقديم المساعدات للمرضي وغيرهم. لقد تفاقمت الأمور في الأيام الأخيرة وظهر التوتر في العلاقة المأزومة واضحا بعد تصريحات المسئولين في مصر بدءاً من الرئيس حسني مبارك مروراً بوزير الخارجية أحمد أبو الغيط الذي هدد بتكسير الاقدام ووصولا إلي وسائل الاعلام الرسمية، ذلك أن ما حدث من تجاوزات علي الحدود أثر بشكل سلبي حتي علي مشاعر المواطن العادي وبدا واضحا تراجع التعاطف الذي كان يحظي به الفلسطينيون قبل ذلك الحين. وبحسب مارك أوت مبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام فإن ثمة تغيير جذري قد طرأ علي فهم مصر لخطورة المشكلة في رفح، وعلي حد قوله فإن الرئيس حسني مبارك ومدير المخابرات عمر سليمان أصبحا معينين بصفقة ترتيب الوضع الحدودي بين مصر وقطاع غزة واسرائيل. والأخطر فيما يحدث الآن هو بحث الحكومة الاسرائيلية في جلستها العادية قبل يومين خطة بعنوان "الانفصال التام عن قطاع غزة" إذ لم يخف مسئولون اسرائيليون أن خطتهم ترمي إلي تصدير الأزمة القائمة هناك إلي الساحة المصرية، بل وحملوا مصر المسئولية عن ذلك بالاضافة إلي حركة حماس، الأمر الذي لاقي رفضاً فلسطينياً وانزعاجاً مصرياً وانتقادات في صفوف اليسار الاسرائيلي والجيش فقد رفضها اتحاد الصناعيين لأنها تلحق خسائر كبيرة بمئات المصالح التجارية الاسرائيلية التي تعتمد اعتماداً أساسياً علي التبادل مع القطاع، واعترض عليها قادة اليسار الذين يرون أن اسرائيل لا تستطيع في هذه المرحلة التنصل من مسئولياتها عن قطاع غزة واعتبروا الانفصال التام محرجا للرئيس عباس وأمثاله من مؤيدي عملية السلام، فضلاً عن أنه سيلحق ضرراً بسمعة اسرائيل في الغرب حيث يستهمونها بتجويع المواطنين الغزيين واحداث كارثة انسانية كبيرة فيه. واذا كان هذا الاقتراح يلقي قبولاً لدي الأوساط السياسية المقربة من رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، اذ سيصبح نقل الأزمة إلي الساحة المصرية مصلحة اسرائيلية عليا، بحيث تغدو قضية عربية داخلية لا شأن لإسرائيل بها، فإن للجنرالات في اسرائيل رأياً آخر اذا اعتبروا الخطة فاتحة لإغراق قطاع غزة بالأسلحة المتطورة التي تجعل من القطاع صورة مصغرة للجنوب اللبناني، فالتنظيمات الفلسطينية المسلحة تبدو اليوم في أعلي أداء مهني في تاريخها ولديهم أساليب عمل حديثة. وبغض النظر عن ارادة ودوافع أصحاب هذا الشعار أو الخطة والدعوة للانفصال، فإن وراء ذلك مستوي عالياً من الارباك والغموض في الرؤية، كما أن هذه الخطة اذا حاولت اسرائيل تطبيقها في الضفة الغربية من خلال جدار الفصل العنصري فإن مثل هذه الخطة ستشكل جداراً من نوع مختلف في قطاع غزة. وأخيراً لابد ان تطرح الاشتباكات المحدودة بين الفلسطينيين والمصريين علي معبر رفح والتي ذهب ضحيتها عدد من الأبرياء علي الجانبين مخاطر حقيقية حول الكيفية التي تدار بها الأزمة المتعلقة بالمعبر وفي كل الأحوال فإن ما حدث يشكل عاراً علي المتسببين فيه إذ يعزز من الرؤية الاسرائيلية حول تصدير الصراع، كما يعزز من مواقف بعض القوي في مصر بالضغط في اتجاه تخلي القاهرة عن دورها إزاء المسألة الفلسطينية بحجة ما جري في المعبر وتداعياته التي مازالت تأثيرتها حتي الآن.