.. واذن فقد رحل مجدي مهنا صاحب القلم الجريء والكلمة الشجاعة.. وترك في قلوب اصدقائه ومحبيه وزملائه ألما سوف يستمر طويلا.. كما ترك في الصحافة المصرية فراغا كبيرا.. وحرمت صحافتنا برحيله من عطاء متدفق كان المأمول ان يستمر طويلا.. فقد اختطف الموت مجدي وهو لايزال في الحادية والخمسين من العمر.. لكنه كان قد نجح في ان ينتزع لنفسه مكانة رفيعة في الصحافة المصرية وفي قلوب وضمائر قرائه الكثيرين.. وأصبح واحدا من الكتاب القلائل الذين يمكن القول انهم يعبرون عن ضمير الأمة في زمن عز فيه هذا النوع من الكتاب وكثر سواهم.. وقد استحق مجدي مهنا هذه المكانة المتميزة بفضل انحيازه القاطع للحقيقة ومصالح الناس والوطن.. وبفضل التزامه الحاسم بقضية الحرية وادراكه الواضح والعميق بأن مهمة الصحافة المقدسة هي ان تسلط الضوء الساطع علي الحقائق وان تمارس الرقابة باسم المجتمع علي أولئك المسئولين عن ادارة شئونه.. أيا كانت مواقعهم ومهما يكن نفوذهم وأن تفعل هذا بنزاهة وشرف دون خوف من سيف السلطان.. أو طمع في ذهبه.. أو ذهب من يملكون الثروة.. هذا الادراك العميق لدور الصحافة الرقابي والنقدي في المجتمع ربما كان السبب وراء اختيار مجدي مهنا لاسم عموده "في الممنوع".. الذي ظل يكتبه في جريدة "الوفد" لسنوات طويلة ثم انتقل به الي "المصري اليوم" منذ بداية صدورها.. وتمسك به ايضا كاسم لبرنامجه التليفزيوني الناجح علي قناة دريم. وبقدر ما كانت تسمية العمود الصحفي والبرنامج التليفزيوني "في الممنوع" تعبيرا عن موقف مجدي النقدي وشجاعته في خوض المعارك ضد ما يعتقد انه خطأ فإنه كان دائما ناقدا مسئولا ونزيها.. لا يخوض في المعارك حبا في القتال ذاته ولكن لانها ضرورية.. ولا يحولها الي خصومات شخصية ولا يتجاهل فضائل خصومه أو يغمط انجازاتهم حين ينتقد سلبياتهم او مواقفهم الخاطئة. لقد كان دائما ناقدا موضوعيا ينطلق من الحرص علي المصلحة العامة وكان القارئ يشعر دائما بأن مجدي مهنا يدرس موضوعه جيدا قبل ان يخوض فيه.. ويستفيد بتواضع بكل وجهة نظر مختلفة أو زاوية للرؤية كانت غائبة عنه.. وذلك كله في اطار من اتزان التعبير وعفة اللسان والبعد عن التجرع. وبفضل هذه الشجاعة والموضوعية والنزاهة والكفاءة المهنية استطاع مجدي ان ينتزع لنفسه مساحة هائلة من الحرية في الكتابة والنقد.. وهي مساحة كانت كثيرا ما تدهش بعض الكتاب الذين لا يستطيعون دفع ثمن تلك الحرية وتلك المكانة.. وجوهره نزاهة القصد والكتابة لوجه الحق وحده دون حسابات الخوف من السلطان.. أو الطمع في ذهبه او مناصبه.. او في ذهب أهل الثروة وليس الجميع قادرين علي تنزيه انفسهم عن الحسابات الصغيرة.. والتعفف والاستغناء عما يقيد حريتهم ويقلم مضاء اقلامهم..فهو ثمن لا يقدر عليه الا أولو العزم من الرجال وما أقلهم !! ومجدي مهنا واحد منهم.. لذلك أيضا كان مجدي شديد الصلابة في مواجهة مرضه العضال.. واعتصم طويلا بالصبر والكتمان.. فلم يعرف بمرضه الا اقرب الناس اليه وحين أصبح المرض أكبر من الكتمان واجهه بشجاعة الرجال.. ولم يكن يحب ان يتحدث عنه او يتصرف كمريض ولم يكن يتخلف عن موعده مع قرائه أو مشاهديه الا حينما يمنعه المرض القاهر. أعطي وطنه ومهنته كل ما كان بوسعه قبل ان يرحل.. وحمل هموم مهنته في مجلس نقابة الصحفيين لدورتين وكتب في صحف ومجلات كثيرة.. من روز اليوسف الي الاهالي والوفد التي رأس تحريرها لفترة.. ومن "العالم اليوم" التي شارك في تأسيسها وأضاءت كتاباته صفحة الرأي فيها الي "المصري اليوم" التي شارك في تأسيسها ايضا وكان ألمع كتابها. وفي كل مكان شارك فيه بقلمه كان مجدي مهنا فارس الكلمة وكان مثالا للصحفي اللامع العارف بأدق أسرار مهنته.. وكان نعم الزميل للجميع ونعم الصديق للكثيرين وسيظل اسمه دائما مثالا للكاتب النزيه الشجاع.. ورمزا للقيم النبيلة. رحمه الله رحمة واسعة..