لقد أصبح الخوف من ارتفاع تكاليف المعيشة أمرا شائعا في آسيا ولكن الفيتناميين هم أكثر الناس انزعاجا من هذه الظاهرة خصوصا بعد أن أعلنت حكومتهم منذ أيام أن معدل التضخم بلغ 14.1% سنويا وهو أعلي معدل مستوي له منذ عام 1995 أي منذ نحو ثلاثة عشر عاما وتقول مجلة "الايكونوميست" أن البنك المركزي الفيتنامي قام يوم 30 يناير الماضي بزيادة سعر الفائدة بنسبة 1.5% دفعة واحدة لكي يحول دون استمرار تصاعد معدل التضخم. وتعاني فيتنام مثل غيرها من الارتفاع العالمي الكبير في أسعار الطاقة والمواد الغذائية حيث زادت أسعار الطعام بنسبة 22% سنويا خلال العام الأخير ولكن الضغوط التضخمية في فيتنام تعد أيضا نتيجة جانبية لارتفاع معدلات النمو الاقتصادي.. ففي العام الماضي حقق الاقتصاد الفيتنامي معدل نمو بلغ 8.5% وهو من أعلي معدلات النمو في آسيا كما بلغ المتوسط السنوي لنمو الاقتصاد الفيتنامي خلال السنوات العشر الأخيرة 7.5% وهو ما يدل علي أن فيتنام تتطور بسرعة كبيرة حيث يتوسع أيضا الائتمان المصرفي الذي بلغ 37% من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي وحيث يشتد الطلب علي مواد البناء علي النحو الذي يهدد بسخونة الاقتصاد إلي أكثر من الحد الآمن. ومع ذلك فإن حرص الحكومة الفيتنامية علي استمرار هذه الصحوة يجعلها ترفض تبريد الاقتصاد وفي يناير الماضي جدد رئيس الوزراء نجوين تان دزونج عزمه علي الارتفاع بمعدل النمو الاقتصادي إلي 9% سنويا ولكن نجوين فان جياو محافظ البنك المركزي طالب باعطاء الاولوية لخفض الاسعار باعتبار ذلك ضرورة عاجلة وقال الرجل إن ارتفاع تكاليف المعيشة تسبب في موجة من الاضرابات وشيوع المخاوف من ندرة الطعام في عيد رأس السنة الشمسية الذي يحل في فبراير الحالي ولكن رئيس الوزراءسارع في اليوم التالي إلي انتقاد البنك المركزي مطالبا إياه بسياسة نقدية أكثر جودة وتحسين قدرة البنك علي التنبؤ والاشراف علي الحالة الاقتصادية. والحقيقة أن فيتنام لا تريد تحقيق انخفاض والحقيقة أن فيتنام لا تريد تحقيق انخفاض كبير في معدل التضخم وإنما هي فقط تسعي لجعله أقل من معدل النمو السنوي في إجمالي الناتج المحلي.. ولكن حتي هذا الهدف المتواضع ثبتت صعوبة تحقيقه في العام الماضي حيث كان معدل التضخم أعلي 4% من معدل النمو الاقتصادي. وبعد انتقادات رئيس الوزراء اضطر البنك المركزي إلي اتباع سياسة نقدية انكماشية لتقييد قدرة البنك علي منح الائتمان وهو إجراء قلدته الصين في نفس اليوم بسبب ما تواجهه من ارتفاع كبير في أسعار الطعام ومنذ أيام خفف البنك المركزي القيود التي كان قد فرضها في العام الماضي علي الاقراض من أجل شراء الاسهم والاستثمار في البورصة بعد أن حققت هذه القيود غرضها. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن الصين وتايلاند قامتا بوضع قيود علي الزيادة في أسعار السلع الاساسية بعد التململ الشعبي من الارتفاع في أسعار الطعام ولكن فيتنام رفضت تسعير السلع الاساسية احتراما لالتزاماتها كعضو في منظمة التجارة العالمية ومحافظة علي السياسة الليبرالية التي تتبعها منذ سنوات وأكثر من ذلك فإن الحكومة الفيتنامية تعد بمزيد من ارخاء قبضتها علي الاسعار فهي تخطط لتحرير أسعار الوقود وتركها لعوامل العرض والطلب ولكنها لم تحدد بعد موعدا لذلك كما أنها تقوم بخصخصة الشركات المملوكة للدولة وبالتالي تحريرها من أية قيود حكومية علي منتجاتها السلعية ولكنها لا تزال تسيطر علي جزء كبير من شبكة التوزيع الخاصة بالمواد الغذائية حتي يمكنها ضبط السوق عند الحاجة إلي ذلك. ولا أحد ينكر أن ما تفعله فيتنام من أجل التحول إلي اقتصاد السوق وزيادة القدرة التنافسية لاقتصادها علي المدي الطويل يؤدي إلي ارتفاع الاسعار علي المدي القصير ويصدق هذا علي سبيل المثال علي المشروعات الكبري للبنية الاساسية والطرق ومحطات الكهرباء وغيرها ويري صندوق النقد الدولي أن زيادة الانفاق العام يكثف الضغوط التضخمية وهو لذلك يدعو الحكومة إلي ادخار ايراداتها الضريبية بدلا من استخدامها فيما يعقد مشكلة التضخم ولكن البنك الدولي علي العكس من ذلك بحث الحكومة الفيتنامية علي انفاق المزيد من أجل ترقية البنية الاساسية إذا أرادت أن تستمر في تحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية حيث إن إنتاج فيتنام من الكهرباء مثلا لم يعد يكفي احتياجات الاستثمارات الجديدة. وبجانب ما تقدم فإن اصلاح القطاع العام صار يصب هو الآخر في خانة زيادة معدل التضخم ففي يناير الماضي زاد الحد الأدني لأجور الموظفين بنسبة 20% علي أمل أن تكون تلك خطوة مثمرة علي طريق محاربة الفساد في الادارة الحكومية ولكن هذه الزيادة في الاجور ستزيد من معدل التضخم لا محالة. ومع ذلك فلابد أن نذكر أن زيادة تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة علي فيتنام في السنوات الأخيرة أدي إلي ارتفاع قيمة عملتها وهي عملية تساهم في خفض معدل التضخم لأن ارتفاع قيمة ال"دونج" يعني أن قوته الشرائية ستكون أكبر.. بقي أن نقول إن فيتنام لن تتأثر كثيرا بغيوم العاصفة التي تتجمع الآن في سماء الاقتصاد العالمي فالنمو الاقتصادي الفيتنامي يعتمد بدرجة واضحة علي الطلب المحلي وبقدر محدود علي الصادرات ولذلك فإن أي انخفاض في الطلب الخارجي سيؤدي إلي القضاء علي مظاهر السخونة الزائدة في الاقتصاد الفيتنامي وتحجيم التضخم من دون أن يضر قدرة فيتنام علي تحقيق معدلات معقولة للنمو الاقتصادي.