لم يصبح الاقتصاد الأوكراني اقتصاد سوق في نظر الأمريكيين إلا في بدايات العام الحالي ،2006 وهذا أمر يدهش كثيرا من الأوكرانيين الذين يرون أنهم يعيشون في ظل الاقتصاد الحر منذ بدأت الأسعار ترتفع عام 1991 وأصبحت عملتهم قابلة للتحويل عام 1996 وراحت حكومتهم تخصخص ما تملكه من أصول حتي صار نحو ثلثي الاقتصاد في أيدي القطاع الخاص.. ولكن أمريكا لم تعترف بهذا كله إلا في 17 فبراير الماضي عندما وقف ديفيد سامبسون نائب وزير التجارة الأمريكي ليعلن في العاصمة الأوكرانية كييف أن حكومته تري الاقتصاد الأوكراني الاَن كاقتصاد سوق. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن فيتنام قد تنتظر حتي عام 2019 حتي تحصل علي اعتراف مماثل علي الرغم من انضمامها أخيرا إلي منظمة التجارة العالمية لتصبح العضو رقم 150 في هذه المنظمة.. لقد ظلت فيتنام تتفاوض من أجل اكتساب عضوية منظمة التجارة العالمية 12 عاما ودونت نتائج هذه المفاوضات في 880 صفحة تتضمن التزامات فيتنام في بنود كثيرة مثل دعم صادراتها من المنسوجات الذي وعدت بإلغائه ونظامها المصرفي الذي التزمت بتحريره اعتبارا من ابريل القادم وحتي إلزامها بعدم منع استيراد مواد ومطبوعات ثقافية ودينية بعينها بغية السماح باستيراد الكتاب المقدس لمن يريد من الفيتناميين. ومعروف أن منظمة التجارة العالمية قائمة علي مبدأ المعاملة بالمثل بين مختلف الأعضاء.. ولكن فيتنام رضيت لكي تحظي بعضوية هذه المنظمة أن تصنف باعتبارها ليست دولة اقتصاد سوق non-market شأنها في ذلك شأن الصين والعديد من الدول الأخري الأعضاء في المنظمة ومعظمها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وعيب هذا التصنيف أنه يصعب علي فيتنام الدفاع عن نفسها ضد تهمة الإغراق. والإغراق هو القيام ببيع سلعة في سوق خارجي بأقل من ثمنها الرسمي في السوق الداخلي أو بأقل من تكلفة صنعها.. وفي هذه الحالة يحق للدولة المستوردة أن تفرض علي الدولة المصدرة غرامة إغراق، ولكن كيف يمكن للدولة المستوردة أن تعرف أن هذه السلعة المستوردة أرخص مما يجب؟ تقول وزارة التجارة الأمريكية إنه في الدول التي لم تتحول بعد إلي اقتصاد السوق تحولا كاملا لا تتحدد الأسعار طبقا لقواعد العرض والطلب ولذلك لا يمكن الثقة فيها وبناء عليه فإن الدولة المستوردة تعتمد في هذه الحالة علي حساباتها الخاصة لتحديد السعر حسب ما يسمي "القيمة المعتادة" اعتمادا علي تكاليف سلعة مماثلة يتم إنتاجها في بلد اَخر مشابه. وتجدر الإشارة كما تقول أرقام مجلة "فورتشن" إلي أن فيتنام بلد تعداده 4.84 مليون نسمة وإجمالي ناتجه المحلي لا يتجاوز ال 4.52 مليار دولار سنويا كما أن متوسط دخل الفرد فيه 609 دولارات سنويا أي إنه بلد فقير بكل المعايير ولكنه مع ذلك يتمتع بنسبة تعليم تبلغ 90% ويحقق معدل نمو اقتصادي سنوي بلغ 4.8% عام 2005 كما جذب في نفس العام ملياري دولار كاستثمارات أجنبية مباشرة. أما مجلة "الإيكونوميست" فتقول إن أمريكا هي أكبر سوق للصادرات الفيتنامية وقد بلغت الصادرات الفيتنامية إلي السوق الأمريكي 5.6 مليار دولار عام 2005 مقابل 5.1 مليار دولار كواردات فيتنامية من السوق الأمريكي ولذلك يمكن القول بأن أمريكا ستكون أكبر مستفيد من رسوم الإغراق علي السلع الفيتنامية. ومع ذلك فليست أمريكا وحدها التي تصر علي اعتبار فيتنام دولة لم تتحول بعد إلي اقتصاد السوق، فالاتحاد الأوروبي هو الاَخر يسير علي نفس الطريق بل يتهم فيتنام بالإغراق في أسعار الأحذية الجلدية مقارنا أسعارها بأسعارالأحذية المماثلة التي تأتيهم من البرازيل.. وفي العام الماضي فرض الاتحاد الأوروبي رسوم إغراق علي الدراجات الفيتنامية بعد مقارنتها بالدراجات الواردة من المكسيك. أما أشهر قضية إغراق في أمريكا فهي قضية سمك السلور المستورد من فيتنام الذي فرضت عليه واشنطن رسوم إغراق تتراوح ما بين 37 و64% من سعر الاستيراد. والسؤال المهم هو ماذا يتعين علي فيتنام أن تفعل لكي تأخذ وضع دولة "اقتصاد السوق" في منظمة التجارة العالمية؟ إن أمريكا والاتحاد الأوروبي لهما مطالب يجب أن تتحقق وأهمها تخلي فيتنام عن سياسة تثبيت الأسعار والقيود المفروضة علي العملة والسماح بمزيد من الاستثمار الأجنبي وتحرير سوق العمل والتقليل من ملكية الدولة للمشروعات أي وضع وتنفيذ برنامج واسع للخصخصة.. ومع ذلك فإن إقبال المستهلكين وتجار التجزئة في أمريكا علي الواردات الفيتنامية يمثل بالنسبة لفيتنام بعض التعويض وهؤلاء هم الذين يكافحون بنشاط ضد رسوم الإغراق حتي يمكنهم الحصول علي سلع رخيصة حتي لو ظلت فيتنام لسنوات طويلة أخري قادمة في نظر وزارة التجارة الأمريكية كدولة لم تتحول بعد بالكامل إلي اقتصاد السوق.