اهتممنا كثيراً بتعهدات الرئيس الأمريكي جورج بوش بوقف الاعتماد علي واردات البترول القادمة من الشرق الأوسط بحلول عام 2025 رغم انها تعهدات اعلامية فجميعنا يعلم جيداً مدي حاجة أمريكا إلي المنتجات البترولية المكررة والتي لا تتوافر إلا بمنطقة الشرق الأوسط بوجه عام والمنطقة العربية بوجة خاص وقد أشار تقرير نشرته الفايننشيال تايمز إلي توقعات بزيادة الطاقة التكريرية لدول الشرق الأوسط بنسبة 60% لتصبح المصدر الرئيسي للمنتجات البترولية المكررة مثل وقود الطائرات والديزل والبنزين علاوة علي زيوت التدفئة بينما تعاني صناعة تكرير البترول في أمريكا الشمالية وأوروبا من انخفاض الأرباح وهو ما دعي المدير التنفيذي لشركة اكسون موبيل للتصريح الكونجرس الامريكي بأنه لابد من ضمان تحقيق هامش ربح مناسب لمدة 20 سنة قبل الموافقة علي أي مشروع جديد لصناعة التكرير وهو ما دعي فايننشال تايمز في نهاية تقريرها علي التأكيد علي محدودية وضعف قدرة أمريكا وأوروبا علي زيادة منتجاتها البترولية المكررة. ولم نهتم باتجاهات الفوائض المالية البترولية التي حققتها الدول العربية البترولية خلال الفترة الأخيرة نتيجة للارتفاعات القياسية لأسعار البترول خلال العام المنصرم وبداية هذا العام. ولم نهتم أيضا ومعنا متخذو القرار الاستثماري بالدول العربية البترولية بالرجوع قليلا بالذاكرة وتحديدا إلي عام 1973 عندما ارتفعت أسعار البترول وقتها بشكل قياسي وحققت الدول العربية فوائض مالية ضخمة استطاعت تلك الفوائض المالية ان تحل لأمريكا وأورويا مشكلة كادت أن تعصف باقتصاديات تلك الدول عندما فوجئت أمريكا وأوروبا الغربية بتزامن حالة من الركود بحالة تضخم أشد وهو ما نسميه "بالركود التضخمي" وهي حالة كانت غريبة وجديدة علي علماء الاقتصاد بهذه الدول فقد كان المعروف انه في حالات الرواج الاقتصادي ترتفع الأسعار (تضخم) فيزيد المنتجون من انتاجهم للاستفادة من ارتفاع الأسعار وتبدأ حالة من الانتعاش يزداد معها الطلب علي العمالة فتقل البطالة لأدني حد لها وهذا ما قررته النظرية الكنزية وكل ما إلتصق بها من منحينات وفرعيات كمنحني فيلبس. ولكن مع بداية السبعينيات تقوضت أركان منحني فيلبس عندما شهدت أمريكا وأوروبا حالة لا مثيل لها من تزامن التضخم والبطالة في علاقة طردية (علي عكس منحني فيلبس). وكادت تلك الحالة كما سبق وذكرتنا أن تعصف بتلك الدول لولا القفزة الرهيبة في أسعار البترول ونمو الموارد المالية للدول العربية بشكل كبير ولمحدودية الطاقة الاستيعابية لتلك الدول فقد أخذت الفوائض المالية لتلك الدول تبحث عن قنوات للاستثمار وللأسف الشديد حرصت الدول الغربية علي جذب هذا الفائض لتخفيف وطأة الأزمة لديها فاستخدمت بعض الأساليب لجذب هذه الأموال تمثلت في: أ - زيادة أسعار الفائدة. ب - اطلاق حرية المضاربة في أسواق المعادن النفيسة. ج - تملك أصول بعض الشركات لديها. وقد نجحت تلك الأساليب تماما في اجتذاب أموال الدول العربية البترولية والتي أصبحت تمتلك استثمارات في أمريكا وأوروبا الغربية كانت هي القناة التي انساب منها الركود التضخمي للوطن العربي وذلك لأن الدول العربية المصدرة للبترول تكون لديها فائض كبير من العملات القابلة للتحويل وهو أمر مطمئن لعلاج أي عجز في موازين مدفوعاتها إلا أن هذه الفوائض تعرضت لخطر مؤرق من جراء. أ - التدهور الذي طرأ علي القوة الشرائية لهذه العملات بسبب موجة التضخم العالمي. ب - التدهور في قيمة هذه العملات نتيجة عمليات تعويم أسعار صرفها. هذا بخلاف أن الدول العربية البترولية اتجهت للاستثمار في سوق المعادن النفيسة وبخاصة الذهب الذي كان سعره وقتها قد وصل إلي 850 دولاراً للأوقية عام 1980 ثم انخفض سعره بعد أن قامت الدول العربية بإكتنازه ليصل عام 85 إلي 295 دولاراً للأوقية فخسرت هذه الدول خسارة كبيرة. وقد أنفقت الدول المصدرة للبترول بمنظمة أوبك 60% من ايراداتها علي واردات السلع والخدمات خلال الفترة من 1973 حتي 1976 ثم زادت النسبة لتصل إلي 75% خلال الفترة من عام 1978 حتي عام 1981 في الوقت نفسه كان الدول العربية غير البترولية وهي التي يطلق عليها (الدول ذات العجز المالي) تعاني من سلسلة من المشكلات فهي تستهلك بشكل يزيد عما تنتج وتستورد بشكل يزيد عما تصدر علاوة علي أنها تعاني عجزاً بالسيولة الدولية والتي هي وببساطة شديدة مدي ملائمة وكفاية وسائل الدفع والاحتياطيات الدولية للبلد لمواجهة العجز في ميزان المدفوعات دون احداث تغييرات غير مرغوب في أهدافها وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية.